سياسية

الصراع بين المهدي وتحالف قوي الاجماع .. أكثر من مسار


[JUSTIFY]لحوالي خمسة عقود مضت تقريبا لم يبارح المهدي كرسي الرئاسة وظل لحين من الدهر يجمع بين رئاسة الحزب وزعامة طائفة الإنصار.. وخلال فترة توليه الرئاسة تصدع الحزب العريق كثيرا في مسيرته وظلت تتجاذبه تيارات داخلية متنامية أصبحت تتصارع داخله منذ أمد بغية تغيير ينشده بعض المنضوين تحت لوائه، فضلا عن معارك مع القوى السياسية الأخرى والأنظمة الشمولية المتعاقبة.

لخمسة عقود مضت ظلت مواقف الحزب الطائفي الكبير تتأرجح ما بين المواقف المبدئية التي تبناها والتنصل من التحالفات الجبهوية التي دخل فيها الحزب مع عدد من الأحزاب والحركات التحررية، وحينما وقع انقلاب الخامس والعشرين من مايو 1969م الذي حمل في طياته رايات اليسار السوداني المسنود من الحزب الشيوعي اعتقل الصادق المهدي عدة مرات وتعرض للتنكيل عقب أحداث (الجزيرة أبا) وبعد خروجه من البلاد أسهم في تكوين الجبهة الوطنية الديمقراطية المعارضة لنظام مايو الانقلابي وشملت الجبهة في عضويتها حزب الأمة والحزب الاتحادي والإخوان المسلمين، وقام المهدي بقيادتها في المهجر، وبعد ترتيب أوضاعها قامت الجبهة بمحاولة غزو الخرطوم عبر عملية مسلحة اشتهرت في الإعلام المايوي يومها باسم ضربة المرتزقة، في يوليو 1976م.

وبعد مرور عام على العملية بارح المهدي ورفاقه مقعد مجابهة نظام مايو بالطريقة التي اختاروها، وتراجعوا عن أهدافهم التي وضعوها في ليبيا إثر صفقة عرفت بالمصالحة الوطنية التي لم تصمد طويلاً هي الأخرى، بعدها عاد المهدي للعمل السياسي المدني.

وبعد أن أطاحت الانتفاضة الشعبية بنظام مايو في السادس من أبريل 1985م تم تشكيل حكومة انتقالية أشرفت على انتخابات عامة أجريت في العام 1986م حصل فيها حزب الأمة على أغلبية الأصوات وانتخب الصادق المهدي رئيسا للوزراء وشهدت فترة حكمه بحسب المتابعين تدهورا في الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد.

لم تمض على حكم المهدي ثلاثة أعوام حتى قام انقلاب الإنقاذ الذي قادته الجبهة الإسلامية التي تعتبر حليف الأمس في عملية الغزو الفاشل، في الثلاثين من يونيو 1989م وبعد نجاح الانقلاب اعتقل المهدي مع رفاقه الآخرين من رؤساء الأحزاب وقبعوا لفترة زمنية في سجن كوبر، وبعد أن ضاقت به البلاد بسبب التضييق الذي تعرض له قرر مغادرة أرض الوطن في التاسع من ديسمبر 1996م متجها صوب العاصمة الإريترية (أسمرا) في عملية (تهتدون).

وعقب خروجه التحق المهدي بالمعارضة السودانية بالخارج وانضم تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي المعارض الذي تعتبر الحركة الشعبية لتحرير السودان القاطرة الرئيسية له وعمل المهدي معها جنبا إلى جنب على إسقاط النظام وقتها بالكفاح المسلح، وشكل انضمام حزب الأمة المسنود بطائفة الأنصار دفعة قوية للتجمع الوطني الذي يوصم بأنه يعبر عن اليسار السوداني الذي يعمل على إزاحة النظام الإسلامي واستبداله بنظام علماني، ونشط الحزب عملياته العسكرية في شرق السودان عبر جناحه العسكري الذي عرف وقتها بـ(جيش الأمة) المنضوي تحت لواء السودان الجديد الذي يعتبر من فصائل التجمع الرئيسية بشرق السودان، ومن أشهر العمليات العسكرية التي قام (جيش الأمة) بتنفيذها هي عملية تفجير أنبوب النفط بولاية نهر النيل شمال مدينة عطبرة التي اعترفت بها قيادات الحزب المنضوية تحت لواء التجمع في ذلك الوقت.

ونتيجة للمحاولات العديدة التي قادها الوسطاء استجاب المهدي للتفاوض مع النظام الذي أطاح به من قبل إلى أن التأم لقاء (جيبوتي) بينه وبين الرئيس عمر البشير، وتوج اللقاء باتفاق بين الحكومة وحزب الأمة عرف باتفاق (نداء الوطن) وعاد المهدي في الثالث والعشرين من نوفمبر 2000م إلى البلاد في عملية أطلق عليها اسم (تفلحون).

في ما بعد دخل المهدي ماراثون تفاوضيا آخر مع النظام توج بالتوقيع على اتفاق (التراضي الوطني) ولم يمض على توقيع الاتفاق زمن وجيز حتى تم تعيين نجله العقيد عبدالرحمن مساعدا لرئيس الجمهورية، وبعدها اشتهر المهدي خلال الفترة الماضية بإصدار روشتات ووصفات علاجية لأزمات البلاد المزمنة.

طيلة فترة اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) ظل المهدي منتقدا للاتفاق الذي أوقف الحرب بين الشمال والجنوب ويصفه بأنه ثنائي، وعقب تقرير المصير وانفصال الجنوب اتجهت الحركات المسلحة للعمل الجبهوي وأسست تحالف (الجبهة الثورية) الذي يعمل على إسقاط النظام عبر الكفاح المسلح، وبعد فترة زمنية ليست بالبعيدة من تأسيس التحالف وقعت بعض أحزاب المعارضة في الخامس من يناير الماضي مع التحالف على ميثاق (الفجر الجديد) في العاصمة اليوغندية (كمبالا) ووقع ممثل حزب الأمة نصر الدين الهادي المهدي نائب رئيس الحزب على الميثاق وقام بتأييده القيادي البارز بالحزب مبارك الفاضل المهدي، ولكن قبل أن يجف مداد الحبر الذي وقع به الميثاق نفض الصادق المهدي رئيس حزب الأمة يده عن الميثاق الذي تباينت حوله وجهات النظر.

وبعد أن تنصل المهدي من التحالف الجبهوي الذي يجمع بين العمل المسلح والمدني لإسقاط النظام عبر ميثاق (الفجر الجديد) اتجه لطرح خيارات وبدائل أخرى، وصمم مشروعا سياسيا بديلا أطلق عليه (مشروع النظام الجديد) الذي يتحقق عبر (تذكرة التحرير) وبرر لخطوته لاعتبار أن إسقاط النظام بالقوة العسكرية سيأتي بكارثة مرجحا التغيير عبر ثورة شعبية مدنية سلمية، وحذر تحالف الجبهة الثورية من محاولة إسقاط النظام بالقوة لجهة أنها حال نجاحها ستؤدّي إلى حرب أهلية في البلاد واعتبر نتائج العمل بالأجندة الحربية يحقق عكس مقاصد الجبهة التي أكد وقوفه وتحالفه معها بشرطين أولهما الرهان على حل سياسي سلمي وثانيهما الإبقاء على وحدة السودان، وطالب المهدي في منتدى (خطر الشمولية وضرورة الديمقراطية) الأسبوع الماضي بإعداد إستراتيجية سياسية بدلاً عن إسقاط النظام الحاكم بالقوة، سيما وأن البلاد تعاني استقطابا سياسيا حادا وتباينا في الرؤى والإستراتيجيات، مشيرا إلى وجود (50) فصيلا مسلحا بالسودان الأمر الذي اعتبره يهدد وحدته الوطنية.

المهدي الموسوم من قبل مناوئيه بالتذبذب في المواقف السياسية كان طوال ذلك الوقت يكيل (بالتقيل) للأحزاب السياسية المعارضة للنظام الحاكم التي وصفها في أحد خطاباته بأنها (طرور) وحزبه (صندل)، وفي إطار التراشق الإعلامي بين تحالف أحزاب المعارضة وحزب الأمة وحالات الشد والجذب التي تشهدها الساحة السياسية شن الإمام الصادق المهدي الأسبوع الماضي هجوما هو الأعنف على تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض واعتبره إجماعا انتقائيا ووصفه بأنه (ترلة) للجبهة الثورية، مبينا أن تحالف قوى الإجماع بخطه الراهن سيضلل فصائل الجبهة الثورية، إلى جانب أنه سيعمل على إعادة إنتاج سيناريو التجمع الوطني الديمقراطي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنق دي مبيور.

القوى المعارضة من جهتها، تتكئ عضويتها في مقام الرد على أنّ الوقائع التاريخية ومسار مواقف المهدي من التحالفات الجبهوية والحركات الثورية المسلحة التي شارك فيها ليست مواقف مبدئية، وهو أمر حدا ببعض المتابعين من التحالف إلى وصفها بالانتهازية، الهادفة إلى تحقيق مكاسب سياسية حزبية ضيقة.

صحيفة اليوم التالي[/JUSTIFY]