رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : رسالة «الصادق» المفتوحة والعقلية المقفولة

[JUSTIFY]رسالة السيّد الصادق المهدي المفتوحة إلى رئيس الملتقى الاقتصادي القومي الدكتور التجاني السيسي الذي انعقد بالخرطوم مؤخراً جاءت بعد اعتذاره عن تلبية الدعوة التي قدمت له من الأخير.. وجاءت الرسالة غير رحيمة على الحكومة، وتتضمّن أرقاماً من شأنها أن تزيد الفجوة بين الحكومة وكثير من أبناء الشعب في أنحاء البلاد، حتى لو لم يكن ما طرحه دقيقاً، إذ إنك يمكن أن تقنع الناس بتحقيق العدالة دون أن تحققها ويمكن أن تحققها ولا تقنعهم بتحقيقها، بمنطق أن تحقيقها لا يكفي إذا لم تقنع الناس بذلك.

والسيّد الصادق المهدي لخص ما اعتبره أزمة حادة شاملة في البلاد في أمور سياسية ومالية، فاعتبر أن اتفاق نافع ـ عقار إذا ما أدخل حيز التنفيذ كان يمكن أن يوفر على البلاد ما واجتهه من شن معارك في جنوب وغرب كردفان من قبل الجبهة الثورية، ولكن المعلوم هو أن اتفاق نافع ـ عقار الذي تم التراجع عنه لا يشمل تسوية لمشكلة دارفور. وهذا يعني أن فاتورة الحرب الباهظة ستظل رغم تنفيذ «نافع/ عقار». ما يعني أن الثمرة التي ينظر إليها السيد الصادق بعد «نافع/ عقار» لن تغني ولن تسمن. أما الأمر المالي فهو توسع الحكومة في الصرف الأمني والعسكري والسيادي ببنود صرف مفتوحة لا تخضع لولاية وزارة المالية. وهنا نقول إن خضوعها وعدم خضوعها لوزارة المالية يمكن أن نحسبها مسألة شكلية إذا كان الصرف على حسم التمرد أتى ثماره، أي إذا حُسمت الحروب جنوباً وشرقاً وغرباً. وبالفعل هذا ما حدث منه الجزء الأعظم حيث كان ضغط حركة التمرد في جنوب البلاد بقيادة جون قرنق من قبل الخرطوم رغم ما تجده من دعم من جهات مختلفة مثل إسرائيل كان الضغط عليها قد أجبرها على أن تجلس للتفاوض بعد تعنت وعناد دام سنين طويلة. كان سبب العناد هو شعور الحركة المتمردة بأنها قادرة على الوصول إلى حكم البلاد من الخرطوم أو على الأقل السيطرة على جنوب البلاد من جوبا وإعلان تحرير الإقليم من سلطة الخرطوم.

نعم الآن حدث الانفصال، ويمكن أن نقول الأمر واحد من حيث النتيجة.. لكن بالطبع الثمن يختلف، وكذلك ما تعكسه الطريقة الأولى إذا نجح فيها التمرد. ولك أن تتخيّل كيف كان ستكون ردود الفعل لو أن التمرد احتل كل الجنوب وطرد منه السلطات السودانية كما فعل في بعض المناطق الصغيرة لظروف معينة. نعم كان صرفاً خرافياً إذا وضعنا في الاعتبار مستوى الدولة الاقتصادي لكن الموروث الأمني والاقتصادي كان لا بد أن تكون تكلفته بهذه الأرقام.

ثم إن السيّد الصادق كان يمكن أن يأتي ملبياً الدعوة للمشاركة في الملتقى حتى ولو لم يعتبره قومياً كما قال في رسالته ويقدم مضامين هذه الرسالة «الأرقامية» ولو في هامش الملتقى وتحت الأضواء الإعلامية حتى تكون مشاركته من ناحية مصلحة المواطن هي العليا ومشاركة الحكومة هي السفلى. لكن أن يتوارى وراء الاعتذار عن المشاركة في أمر عام بعد دعوة وجهها له أحد رفقاء دربه السياسي، فهذا يمكن تفسيره أن الرجل يعبر عن شخصه أو على الأكثر عن حزبه أكثر من تعبيره عن مصلحة البلاد التي يسعى إلى تحقيقها من خلال الرأي والتنظيم على أية حال ممكن الاستفادة من رسالة السيد الصادق المفتوحة إلى الدكتور السيسي، لكن لماذا يتتبع المواطن الاستفادة الوطنية التي يقدمها السيد الصادق في رسالته الموجهة إلى بعض الشخصيات والمنشورة في بعض الصحف.

السيد الصادق في رسالته ينتقد أيضاً ما يسميه بالتجاهل المستمر لمجهودات حزب الأمة لحل المشكلة. لكن هل يعتقد إمام الأنصار أن الحكومة ليست في صالحها أن تستفيد من أية جهود لحل أية مشكلة تواجه البلاد أم اعتقاده بأن حزبه ليس قادراً على صياغة الحلول الواقعية الناجعة ؟!

يبدو أن السيد الصادق من خلال رسالته المفتوحة يريد أن يحاسب الحكومة محاسبة سياسية على فترة ربع القرن كله الذي حكم فيه البشير منذ عام 1989م وحتى الآن، ولكن حتى لا يترك ثغرة كبيرة تستفيد منها الحكومة في المعارضة كان عليه أن يحصر نقده في فترة ما بعد الانفصال، لأن فترة العقد الأوّل كان الرئيس ينظر فيها حصاد تفكير الترابي إلا أنه حصد الهشيم. وفي مرحلة ما بعد المفاصلة كانت الدعوة مفتوحة والفرصة متاحة لإجبار الحكومة جماهيرياً على التحول الديمقراطي، لكن السيد الصادق يريد تجاوز الجماهير لتحقيق كل مطالبه، وهذا لا يمكن طبعاً، بعد ذلك جاءت مرحلة الفترة الانتقالية مع الحركة الشعبية، وهي لا علاقة لها بالتحول الديمقراطي لأنه ليس جزءاً من الإيمان السياسي لحركة قرنق وهذا ما يعلمه السيد الصادق جيداً.

رغم أنه كان يراهن على قوة الجيش الشعبي لإسقاط النظام، ولم يكترث لما سيأتي بعد ذلك إذا بالفعل دخلت قوات قرنق من جهة الشرق انطلاقاً من معسكرات جيش الأمة. لكن فترة ما بعد الانفصال هي الوقت المناسب للجرد والحساب وفتح كل الملفات وطرح السؤال «السودان إلى أين بالمؤتمر الوطني» حتى ولو اعتبرناه «الفائز الدائم» في الانتخابات. وهذا السؤال وغيره مكانه مثل الملتقى وليس الرسائل المفتوحة.

صحيفة الانتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]