فدوى موسى

حي.. حي!!

[ALIGN=JUSTIFY][ALIGN=CENTER]حي.. حي!![/ALIGN] أنتصف الليل وأرخى سدوله.. هدأ كل شيء إلا بحر عشقه الهائج.. «مال كل هذه الخلائق تغط في غفوائها المتكررة وموتها الآجل؟».. «حي.. حي» قفز من «عنقريبه» ودار دورتين في ذلك «الحوش» الكبير و«اللالوبة» تتدلى من بين يديه.. نظر يمنة ويسرة.. ونادى عليهم أهل داره «قوموا.. النوم بجيب اللوم» ولكنهم كمن نادى ميتاً.. فجند تلك «اللالوبة» سياطاً عليهم فتقافزوا منزعجين ولسان حالهم الإضطرار حتى لا يزداد قسطهم من ضربات «اللالوبة» الساخنة.. وقوفهم على «المصالي» لم يمتليء بكل الخشوع الواجب.. ولكنه الخوف.. وعلى عجل عادوا الى غفوائهم المتكررة.. صاحب «اللالوبة» لا يغفو مثلهم وإن تناسى تكرار إيقاظهم فإن حركاته وسكناته تجعل الجو من حولهم ضجيجاً وسكوناً يملؤه الإستفهام.. ومن تحت الأغطية أحياناً يسترقون النظر والسمع، فالدرويش عندهم رغم كل شيء فأل وبركة وسكناته وحراكه دلالات ومؤشرات.. وفي تلك الليلة بدا لهم أكثر إنفعالاً من تقادم الظلام ولجته.. «حي.. حي».. لم يوقظ أحداً منهم.. كأنه أراد أن تكون تلك الليلة ليلته المشهودة.. لم ينهضوا من أسرتهم.. ولم يتذوقوا طعم سوط «اللالوبة» إلا أنه كان يثير حفيظة مراقبتهم من خلف أغطيتهم الثقيلة.. فقد كانت الليلة غير عادية.. خيوط أضواء النجيمات وبعض القمر تلقي عليه هالات من الوضوح المبهم.. يتمايل جسده النحيل هنا وهناك وترتفع همهماته وتتدوزن نغماته المعروفة «حي.. حي» لكأنها تنقل إيقاعات داخله الذي يمور، فجأة يهدأ سريعاً «حي.. حي».. وسقط الدرويش مغشياً عليه.. قفز الجميع مرة واحدة فسقوط الدرويش دلالة حزن عميق.. بكوه بكاءً حاراً بحرارة فقده عندهم.. وأكتشفوا أنه لم يكن يعيش في محرابه الخاص، فقد يمتد في حياتهم جميعاً. آخر الكلام: «حي.. حي»..!
سياج – آخر لحظة -العدد 834[/ALIGN]