جعفر عباس

وأخيرا اكتشفت التشيكن

[JUSTIFY]
وأخيرا اكتشفت التشيكن

كان بيت الشباب الكاثوليكي الذي كنا نقيم فيه خلال دراستنا في لندن يقدم لنا وجبة إفطار مجانية، وهناك اكتشفنا للمرة الأولى الكورن فليكس باللبن (نعم يا اهل الخليج فالتسمية العربية الصحيحة للسائل الطازج الذي يخرج من ضروع البهائم، اسمه اللبن، بينما انتم تطلقون على الرائب منه اسم اللبن وتسمون الزبادي روب.. اسمه في القرآن “اللبن” وليس الحليب كما تسمونه)، وكانوا يقدمون لنا البيض المسلوق، ولكن وبمجرد البدء في إزالة قشرته يسيل منه محتواه المخاطي، ونحن قوم لا نأكل البيض المسلوق ما لم يكن في متانة كرة التنس… تقشر البيضة وتسقط من يدك أرضا فلا تتفتت، وحتى البيض المقلي بالزيت يفضله معظم السودانيين متماسكا وحسن الطهي enod llew بلغة المطاعم، وإلى يومنا هذا لا أحب النظر إلى الخواجات وهم يأكلون شرائح اللحم المشوي، لأنهم يفضلونه “نصف استواء”، وترى قطرات من الدم تسيل على جنبات أفواههم (الله يقرفهم).

ثم كان الفتح العظيم، فأثناء تسكعنا في السوق القريب من مكان إقامتنا كنا نمر كثيرا بمحل تجاري يشهد حركة بشرية نشطة، وذات يوم توقفت أمامه وقرأت لافتته جيدا: كنتاكي فرايد تشيكن، ودخلت المحل على استحياء ورأيت الناس ينهشون قطع الدجاج المحمر فصحت: الله أكبر.. ووقفت أمام البائع فسألني: واط يو وونط مسطر.. فصحت مجددا: الله أكبر.. عرفت ان الرجل يتكلم “انجليزي مصري”، فألقيت عليه التحية بالعربية فتهلل وجهه: يا سلام الأخ من السودان؟ مرحبا يا ابن النيل.. قلت له اسمعني كويس.. دا انا ليا كام يوم ما اكلتش حاجة عندها طعم وبالتالي ما شبعتش مما جيت لندن.. عايزك تديني فرخة كاملة إكس لارج!! فضحك، وقال إنهم لا يبيعون الفراخ إلا بالقطع، فطلبت منه أن يعطيني من الدجاج ثلاثة صدور وثلاثة أفخاذ وثلاثة سيقانskcits murd، فصاح: ياه انت جعان أوي… وكانت أشهى وجبة أكلتها في حياتي، ومازلت إلى يومنا هذا أحفظ جميل الكولونيل ساندرز مبتكر دجاج كنتاكي الذي صار يعرف على أيامنا هذه بـ”كيه إف سي CFK”، أولا لأن دجاجه شهي وثانيا لأن معظم الأفلام المصرية كانت تنتهي بمشهد زواج فيه مائدة بها عدة فرخات محمرة، وثالثا لأن الدجاج عندنا في السودان لم يكن يذبح إلا للشديد القوي: عودة مسافر بعد غيبة طويلة.. مائدة العريس.. أو مريض أوصى له الطبيب بشوربة ولحم دجاج، ومثل هذا المريض عادة تكون نفسه مسدودة من الطعام فيكون لنا من الطيب نصيب إذا كان المريض فردا من العائلة، والغريب في الأمر أنه لم يكن هناك بيت سوداني يخلو من الدجاج، ولكن حتى الديك لم يكن يذبح ما لم “يتقاعد”، بل كنا محرومين حتى من البيض، لأن أمهاتنا كن يتركن البيض حتى يفقس وينضم إلى القطيع عديم الجدوى.. وبالمناسبة فالدجاج كائن وسخ يعاني من تسيب في الأمعاء ويترك فضلاته في كل شبر في البيت، ويا ما كنا نشمت في أمهاتنا اللواتي كن يحرمننا من لحوم الدجاج ويحدث كثيرا أن يداهم ثعلب “القوقة”، وهي تسمية بيت الدجاج باللغة النوبية وهي عبارة عن وعاء طيني كبير يوضع فيه الدجاج ليلا ومن فوقه غطاء سميك، ويتسلل الثعلب إلى البيت ويحفر أسفل القوقة حتى يحدث فيها ثقبا، ومن فرط حقارته فإن الثعلب إذا وجد عشرين دجاجة مثلا، قتلها جميعا ثم حمل واحدة فقط وهرب بها، وبعد أن غادرت بلدتي جزيرة بدين بسنوات سمعت أنه لم يعد بها ثعلب واحد، ولحسن الحظ فان جماعة حماية البيئة والحيوانات البرية لم يسمعوا بجزيرة بدين وإلا لفرضوا عليها حظرا جويا، وجرجروا أهلها إلى محاكم لاهاي.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

‫2 تعليقات

  1. الى ابومحمد من السعودية:

    لا فصاحة ولاحاجة فمعلوم لكل من يتقن النوبية ان هناك اختلاف في معاني بعض الكلمات والمصطلحات في اللهجة بمختلف مناطق المحس فضلا عن منطقتي حلفا والسكوت. فكلمة كامار في منطقتنا مشكيلة مثلا تعني بيت الدجاج واماالاداة التي وصفتها فنسميها كباس KABBAS وليس كامار والقوقيه ولا نقول قوقة هي الاناء الذي توضع فيه الماء للدواجن وهكذا فهناك الكثير من الكلمات المتداولة التي تختلف في معانيها ضمن مناطقنا المختلفة كما ذكرت وليست هناك غضاضة في ذلك وانما هكذا وجد هذا الارث.
    وبالتالي يبدو من الطابع الهجومي الذي بدأت به مداخلتك انك من بدين موطن اسستاذنا جافر وتحاول من خلاله التخندق معه من باب التعنصر البيئي اذا صح التعبير.