دعا د.عصام أحمد البشير رئيس مجمع الفقه الإسلامي المجتمع والمصلحين للوقوف صداً منيعاً أمام الانفلات اللاأخلاقي الذي استشرى وعمَّ وسط فئات المجتمع السوداني ، وأبدى إنزعاجه لأي مسألة تهدد الأخلاق ورقيها ، وقال لدى افتتاحه ندوة قدمها د. إسماعيل عثمان محمد الماحي رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية بالمجمع بعنوان (الانفلات اللاأخلاقي وأثره على المجتمع السوداني) بقاعة مركز الشهيد الزبير محمد صالح للمؤتمرات صباح أمس ، بأن أعظم وأخطر إنفلات على الأخلاق هو إنفلات العقيدة والمعتقد ، ويأتي بعده إنفلات الأخلاق ، ودعا المصلحين والمربين لمعالجة الظاهرة بخطاب يبعث في النفوس الرأفة واللين ويحمل بين طياته البشريات لا خطاب التنفير والزجر المؤنب والتجهير ، وأشار لانفلاتات لاأخلاقية عديدة انتشرت في مفاصل الدولة والشعب والمجتمع ، وقال أن الموظف الذي لا يحسن أداء واجبه ولا يحترم النظام فإنه مخل بأخلاق المهنة أياً كانت وهذا يقود لانهيار الخدمة المدنية وانهيار الأخلاق لهدم . من جانبه قال د. إسماعيل عثمان محمد الماحي مقدم الورقة أن واجب الدعاة المصلحين تقويم المجمع متى ماانحرف عن جادة الطريق المستقيم ، وأبان أن الأخلاق الإسلامية ثابتة ومستقرة وشاملة للإنسانية جميعاً مسلمهم وكافرهم وأن مصدر الأخلاق هو الدين ، وعدَّد مجموعة من الأخلاق الحميدة التي يمتاز بها المجتمع السوداني كالصدق والتواصل الاجتماعي والأسر الممتدة والنخوة والغيرة والعزة والكرم ، وأشار لظواهر لا أخلاقية وجدت طريقها للانتشار بسرعة وسهولة وسط قطاعات المجتمع السوداني ، وحذّر من جهات عديدة تقوم بتجارة مدروسة ومخططة ومحمية في مجال المخدرات والدعارة وبيع الخمور للجنسين وتستهدف شرائح محددة . ودعا د. إسماعيل وسائل الإعلام لتثبيت القيم الفاضلة ونشرها ، وأبدى قلقله من نشر أخبار الجريمة بصورها الضارة ونادى بمراجعة نشرها . وخرجت الندوة بتوصيات أهمها تنبيه المجتمع لخطورة الانفلات اللا أخلاقي مع الاهتمام بالدراسة والتحليل العميق للظواهر الحديثة .واتفق المناقشون والملقون على الندوة بضرورة إحكام الشريعة الإسلامية واقعاً معاشاً وإنزال أحكامها على الجميع عقوبةً على المجرمين وردعاً للمتفلتين .
نتمنى تكوين هيئه في بلدنا تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر..
هناك العديد من المغالطات التى تم ذكرها فى هذا المقال، و انا بدورى سوف اشير اشارة سريعة الى كل واحدة فيها و ابين خطاها.
اولا، ذكر ان اعظم انفلات على الاخلاق هو انفلات عقيدة و معتقد! طبعا جميعنا يعرف ان الانسان حر فى نفسه و تصرفاته طالما لم يؤذى احدا او يخرج عن القانون فى الدول المتحضرة. و على هذا الاساس اجد نفسى غير مقتنع بصحة العبارة المذكورة انفا. و هذه العبارة دائما ما تستخدم لتكبيل العباد و التضييق عليهم تحت الكثير من المسميات، و من ابرزها المسمى الدينى. و تطبق فى الغالب الاعم على الكادحين و الفقراء فقط، باسثناء ذوى النفوذ و السلطة. و لذلك فكل من ردد تلك العبارة، تحت اى مسمى كان، فهو يريد باطل بها.
ثانيا، ذكر ان الاخلاق الاسلامية شاملة و مستقرة للانسانية جمعاء! و اى شخص دارس سوف تتوقفه تلك العبارة طويلا، لانها توحى بان الاخلاق تختلف باختلاف الاديان. و ذلك غير صحيح بالمرة؛ فلا توجد اخلاق يهودية او اخلاق مسيحية او اخلاق بوذية. هناك اخلاق انسانية، لا يحدها اى دين او تتوقف على دين بذاته. فلو ذهبت للصين مثلا، و معظم اهلها بوذيون، فسوف تجد انهم يكرمون عائلاتهم، و يبروهم، و يحسنوا للغريب، و يكرموا الضيف، و يحبوا العمل، و يساعدوا بعضهم البعض على قدر استطاعتهم. و سوف تجد نفس الشئ فى اليابان و معظم شعبها يؤمن بالشينتو. و هلم جرا فى بقية الدول الاخرى باختلاف معتقداتها. لذلك فلا داعى للخلط.
ثالثا، قيل ان مصدر الاخلاق هو الدين! و اعود و اقول ان الدين ليس هو مصدر الاخلاق، و الا كنا وجدنا ان اخلاق الصينيون تختلف عن اخلاق اليابانيون الذين بدورهم يختلفون فى اخلاقهم عن شعب سويسرا. الاخلاق لا تمت للدين بصلة. و سجل التاريخ لنا ذلك بوضوح عندما قرانا وصايا مرنبتاح الفيلسوف المصرى عابد الاله امون على ورق البردى الذى يعود لما قبل ظهور الاديان السماوية الثلاثة، و اسر قلوبنا و عقولنا بقوة كلماته و صدق عاطفته و صفاء روحه.
لا اعرف ما دخل ان الاسلام جاء ليعبد العباد رب العباد بالاخلاق الانسانية؟ ما هى العلاقة بين هذا و ذاك؟ ثم قلت ان الاسلام لا يتعارض مع الحريات، ثم تكمل قائلا فى نفس الجملة انكم كاهل سنة لن تسمحوا لاصحاب العقائد الفاسدة بنشر تعاليمهم! ما هذا التناقض و الازدواجية فى المعايير؟ الحرية لا تقف عند دين معين و الا اصبح اسمها الحقيقى فاشية. الحرية تضمن حرية الانسان فى الاعتقاد بما يشاء، طالما لم يؤذى احدا باى شكل من الاشكال او يشكل خطرا على المجتمع. ثالثا، ذكرت ان نبى الاسلام جاء ليتمم مكارم الاخلاق، و هذا يفيد ضمنيا بان الاخلاق كانت ناقصة و غير مكتملة. الملم بثقافات الحضارات التى نشات قبل الاسلام، بل و قبل الديانتين الاخريتين، يعرف جيدا ان الاخلاق الانسانية تنبع من الضمير الانسانى، و انها دائما فى تجدد و تغيير. و على هذا الاساس، لا يمكن لاحد اي كان ان يكمل او يتمم مكارم الاخلاق لانها اكبر من ان يحدها اى شخص مهما كان. رابعا، اخلاق العرب قبل الاسلام لم تكن باسوا مما هى عليه الان. و الملم بكتب التاريخ التى تناقش تلك الحقبة بموضوعية، يعرف جيدا ان العرب كانوا مشهورين انذاك بالجود و العطاء و قرض الشعر. صحيح ان هناك قلة كانت تمارس عادات غير اخلاقية مثل واد البنات، و لكنها كانت محصورة فى فرق معينة، و الا كان العرب قد انقرضوا عن بكرة ابيهم قبل ظهور الاسلام بعدة قرون من الزمان.
يا صاحبى انت ما زلت تعتقد ان الاخلاق الانسانية لابد و ان تقترن بمعرفة الله و انا بينت لك ان ذلك الاعتقاد خطا. الاخلاق لا علاقة لها باله او دين او فرد واحد فى المجتمع، بل هى مجموع الضمير الانسانى. و اذا قرات اشعار العرب قبل الاسلام او اطلعت على الثقافة الفرعونية القديمة او درست الفلسفة البوذية، سوف تجد ان هؤلاء البشر لم يكونوا اقل منا اخلاقا و عرفوا معنى الجود و الكرم و العطاء و التضحية و غيرها من اخلاق حميدة، و هذا قبل وجود اى من الاديان السماوية الثلاثة.
و لو كان الانسان حرا فى تصرفاته طالما لم يؤذى احدا او يخرج عن اطار القانون، فلماذا يتم منعه من نشر اى افكار كانت، حتى و لو كانت مناهضة لما تؤمن به؟ اين هى الحرية فى قسر الناس و اجبارهم على عدم مناقشة و نشر افكار يؤمنون بها لمجرد انها مختلفة او انها لا تلاقى قبولا عند فئة اخرى من الناس؟ هذه اسمها فاشية. الفكر يقابل بالفكر و ليس بالارهاب الفكرى او المعنوى او القانونى. الاذية الحقيقية هى عندما تمنع و تكبل افواه الناس ان كانت ارائهم او افكارهم او معتقداتهم لا تتماشى مع فسلفة فصيل اخر.
اخيرا، تعدد انواع الزواج فى الجاهلية لم يكن غير اخلاقى لانه لم يكن يتم قسرا و لم يؤدى الى اذية احد. و كانت تتم فى حدود ضيقة و لم تكن واسعة الانتشار. و شرب الخمر و لعب القمار و غيرها من التصرفات لا يمكن نعتها بغير اخلاقية، لانها لا تؤدى الى اذية احد و لا تتم بالاكراه. و اذا كنت تعيش فى دولة شتائها قارس البرودة فى القرون الماضية، و قال لك احدهم ان شرب الخمر حرام او غير اخلاقى، فلم تكن لتعيره اى اهتمام او تلتفت اليه، لان الخمر يعمل على تدفئة الجسم و يساعد على هضم الطعام و يقوى مناعة الجسم ضد الامراض، و بالاخص مرضا النقرس و التهاب الاطراف، و هما مرضان واسعا الانتشار فى البلاد شديدة البرودة.