جعفر عباس

نحن بخير وأتمنى أن نظل كذلك


[JUSTIFY]
نحن بخير وأتمنى أن نظل كذلك

كان أخي الحاج عباس، الذي رحل عن دنيانا في العاشر من يوليو الجاري، شخصا كبيرا، ليس بحساب السنين، ولكن لأنه كان مترفعا عن الصغائر، أي كان كبيرا بأخلاقه العالية وسلوكه الخالي من كل ما يعيب، ولهذا عاش طوال حياته محترما من الكبير والصغير.. عندما تم قبولي في المرحلة الثانوية جاءني مهنئا من مدينة بعيدة وكان وقتها يعمل في السكك الحديدية، وقال لي إنه سيتحمل “مصاريفي” حتى أكمل المرحلة الثانوية بواقع جنيه ونصف الجنيه شهريا.. وفي ذلك الزمان كانت العروس التي تتلقى مهرا قدره مائه جنيه، يتم نقلها إلى العناية الفائقة، إما لنوبة قلبية من فرط السعادة، أو لأنها تعتقد أنها تزوجت بشخص غير شريف (حرامي)، وما هو أعجب من كل ذلك أنني لم أكتشف أن الحاج رحمه الله، لم يكن شقيقي بل أخي فقط من ناحية الأب، إلا وأنا في السنة النهائية من المرحلة الثانوية، وكان ذلك مصادفة في حديث مع شخص “بلدياتي”، شرح لي أن والدة إخوتي الحاج وفاطمة وعبدالله توفيت فتزوج أبي بأمي.. لم أصدق ذلك فتقصيت الأمر واتضح أن ثلاثتهم فعلا ليسو أشقائي… ضايقني ذلك كثيرا، فقد عشنا جميعا في بيت واحد مع أب واحد وأم واحدة ولم ألمس في كلام أو سلوك أحد من أفراد العائلة ما يشير إلى أنهم ينتمون إلى أم مختلفة.. ولاحقا عرفت أخوالهم وأقاربهم من ناحية الأم ولكننا كنا نتعامل معهم وهم يتعاملون معنا كأقارب من الدرجة الأولى.

سأحاول ربط هذا الأمر بفحوى مقالاتي خلال الأسابيع الأخيرة عن الصدامات الحضارية التي كنت طرفا فيها خلال أول زيارة لي للندن عام ١٩٧٦/٧٧، وكنت قد كتبت عن تجربة الإقامة في غرفة مستأجرة من عائلة إنجليزية، وكانت ربة البيت تحمل اسم مسز وايت، وكان زوجها من سود منطقة الكاريبي وكثير السفر، وكانت لديها طفلتان حلوتان، كنت أحرص كلما دخلت البيت على أن أقدم لهما حلوى أو لعبة، وتعلقتا بي لدرجة أنهما كانتا تزعلان مني إذا دخلت عليهما و”يدي فاضية” وصارت تحس بالحرج، وتنهرهما لأنهما تزعجاني، ولكنني جلست معها طويلا ذات يوم وقلت لها إنني نشأت في بيت لا أعرف تعداد سكانه: إخوتي وعيالهم وعيال بنات عمي وأقارب كانوا يقيمون معنا بعد ان انتقلنا إلى المدينة إما للتعليم او العلاج، وقلت لها إن أجمل ما في بيتها هو البنتان وأجمل ما في البنتين أنهما مزعجتان وأجمل ما في ذلك أنهما تعيشان طفولتهما من دون ان تحسا بأن الشخص الغريب الذي طرأ على حياتهما يشكل عبئا نفسيا او اجتماعيا عليهما.. فدمعت عيناها وقالت هل تصدق أن لي أخا وثلاث أخوات يقمن معي في لندن ولكن بنتيّ، لا يرونهم إلا مرة في السنة تقريبا.. ثم فجرت قنبلة: شقيقهما الأكبر يعيش بمفرده في بيت في نفس شارعنا هذا، ولا يأتينا إلا مرة في الشهر، ولم يحدث قط أن دخل على البنتين وهو يحمل ولو حلوى بعشرة بنسات.

فلا تحزنوا أحبائي لأن الخواجات يتمتعون بأشياء كثيرة نشتهيها، وأهمها حرية القول والفعل من دون خوف من “المخابرات”، وحكومات بلدانهم المتقدمة توفر لهم جميع أنواع الرعاية، بينما حكوماتنا تتعامل معنا كرعاع وبهائم (والحاكم هو الراعي)، ولكننا نتميز عليهم بما لا يشتريه مال: قلوب محبة ونفوس طيبة مازالت تصل الأرحام وترعى حقوق الجوار، فلا تجعلوا العولمة تسلب منا هذا التميز فمن دونه سنصبح كالخواجات الذين يتوفى الواحد منهم ولا يجد من يستحق ملايينه سوى كلب او قط.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. نسأل الله لاخيك الجنة ويلهمكم الصبر ثم اننا فعلا نتفوق عليهم اى على الخواجات فى الكثير فى نواحى القيم والاخلاق والتواصل والاهم دينا حنيفا قيما ملة ابينا ابراهيم

  2. بدلاً من قولك 🙁 أخي فقط من ناحية الأب ) كان ينبغي أن تقول عبارة وجيهة من الناحية البلاغية لأن كلمة (فقط ) تعني التقليل من هذه الرابطة كأن تقول مثلا :هو أخي لأبي , لأن الإخوّة ثلاثة أقسام : أخ شقيق , وأخ لأب , وأخ لأم . ومهما يكن من أمر فرحم الله أخاك رحمة واسعة ثم ندعو لأنفسنا ولك بالتوبة لكونك عشت مع أسرة يغيب عنها وليها وقد نهى الإسلام عن الدخول على المغيّبات , حتى ولو كان ذلك في بلاد الخواجات!!