رسائل إلى هؤلاء:الصراع الجنوبي الجنوبي .. سيضر بمواطني الجنوب السوداني
الصراع قبلي ليس إِلاَّ
الناظر في كل أنظمة الحكم التي حكمت جنوب السودان إبان تطبيق تجربة الحكم الذاتي ثم تطورت الى تجربة الحكم الاقليمي اللامركزي في أوآخر عهد مايو والفترة الانتقالية ثم أيام الديمقراطية الثالثة ثم خلال تطبيق الفيدرالية اللامركزية على أيام حكم الإنقاذ وقبل انفصال الجنوب يلحظ أنّ دوائر الحكم قد تأثرت بشكل لافت بالصراعات القبلية الجنوبية مما أدى لعدم استقرار الجنوب.. ففي تجربة الحكم الذاتي الاقليمي ونتيجة لهيمنة قبيلة الدنيكا بسبب تعلم أبنائها وقوة نفاذها الاقتصادي، فقد تململت بقية القبائل مما أدى بالرئيس الراحل جعفر نميري بإعادة تقسيم الاقليم الجنوبي لثلاثة أقاليم بدلاً عن واحد فأصبحت الاستوائية إقليماً وأعالي النيل إقليما وبحر الغزال إقليماً وهذا التقسيم لم يرضي الدينكا فقاموا باشعال تمرد 3891م لهذا السبب ولأسباب أخرى فأصبحت العودة الى الإقليم الواحد في جنوب السودان مطلباً تتمسك به قبيلة الدينكا، بينما تتمسك بقية القبائل النيلية (الشلك والنوير) والقبائل الاستوائية (الزاندي ـ الباريا ـ اللاتوكا) وغيرها بالأقاليم الثلاثة حتى تجد حظها من السلطة والثروة وظلت القيادات الجنوبية محل تجاذب بين أنظمة الحكم في الفترة
3891م – 5002م والحركة الشعبية، فمرة تدخل في سلام الداخل مع الحكومة ومرة تعود للتمرد في صفوف الحركة الشعبية، ولما تمّ تطبيق الحكم الفيدرالي اللامركزي حظي جنوب السودان بمزيد من التقسيم، حيث أصبح به عشر ولايات وهذا زاد من حريق الصراعات القبلية، وفي ذات الوقت أشعل صراعاً جديداً داخل منظومة القبيلة الواحدة، وأصبح المنطق السائد في جنوب السودان هو (أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب)..
السلام والانفصال
واحدة من ايجابيات إتفاقية السلام السودانية الموقعة 5002م بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية أنها حسمت جدلية تقرير مصير الجنوب السوداني وذلك بتمكن أهل الجنوب، وعبر وسيلة الاستفتاء من التعبير عن رغبتهم في الانفصال عن الدولة الأم أو البقاء جزء منها، وبالفعل في العام 1102م اختاروا خيار الانفصال والذي بمجرد وقوعه بدأ الصراع الجنوبي الجنوبي يظل وبذات الأساس القبلي.. ولكنه كان صراعاً صامتاً مكتوم الصوت على الأقل في الأيام الأولى للدولة الوليدة.. علاوة على صراع الدولة الجديدة مع الدولة الأم حول الكثير من القضايا العالقة مما أضعف قدرة الدولة الجديدة وأظهرها بمظهر ضعيف جعل بعض مواطنيها يعضون بنان الندم على التصويت للانفصال..
تضرر مواطني الجنوب السوداني:
هذا الصراع الصامت المكتوم والذي مظهره سياسي وجوهري قبلي أدى إلحاق الضرر بمواطني دولة جنوب السودان، حيث لم تلتفت العناصر المكونة لحكومتها لقضايا المواطن الأساسية وعندما تفجر الصراع المسلح وأصبح الصراع دموياً زادت مساحة الضرر للمواطن الجنوب سوداني للحد الذي وصل للقتل والتشريد وتوقف الحياة والاحتماء بمقرات الأمم المتحدة والخروج نزوحاً دخل المناطق الآمنة والخروج لجوءاً لدول الجوار مما أدى لتعقيد الأوضاع الإنسانية بشكل لافت وخطير.. ولكن أخطر ما في هذا الصراع هو التدثر بالجهوية والقبلية حيث تحصنت قوات المتمردين على السلطة الشرعية في جوبا بمناطق ثقلها السكاني والقبلي مما جعل الحرب الدائرة الآن شاء أطرافها أم لم يشاءوا أن تتحول لصراع قبلي بين قبيلتي الدينكا والنوير وبدأت محاصصة استمالة بقية القبائل الجنوب سودانية إلى صفيها بالإغراء أو الإكراه أو بالاثنين معاً.
إيقاف الفتح ضخ للفقر
أخطر ما في الحرب الدائرة الآن هو تأثر آبار البترول الجنوب سوداني بالتوقف والإغلاق.. ولتوقف الآبار عن الفتح أثار كثيرة منها:
– توقف الاستثمار في البترول مما يعرض البلاد لضوائق مالية واقتصادية بتفويت فرص الاستثمار فيها من جانب الدول المستثمرة.
– تعرض الدول المستثمرة لخسائر اقتصادية وتعريض منسوبيها للخطر مما يقلل فرص استمرارها في الاستثمار في المستقبل.
– تهديد اقتصاد دولة جنوب السودان المعتمد على عائدات البترول بنسبة أكثر من 09% للأزمات نتيجة توقف الفتح ونتيجة للحرب التي غالباً ما تستنزف الدول الغنية دعك عن دولة حديثة وفقيرة ولم تزل تتلمس طريقها نحو الاستقرار.
– تعرض الاقتصاد السوداني باعتباره دولة ممر بترول جنوب السودان عبر الأراضي والموانئ السودانية لبعض الهزات نسبة عائدات البترول في المجال تسهم في الموازنة العامة للدولة وتقدم لها عملات صعبة تسهم في حل بعض ضوائقها الاقتصادية التي زادت نتيجة خروج عائدات البترول بسبب انفصال جنوب السودان.
– إنّ غاية ما يخشاه الناس أن تلد الحرب الجنوبية الجنوبية الدائرة الآن بجنوب السودان حروباً أخرى ربما انتهت لتقسيم الدولة الوليدة الغنية الموارد لثلاث دول حسب ما هو مرسوم لها ليسهل الانقضاض عليها.. فهل يعي عقلاء دولة جنوب السودان هذا المخطط وتقويته على مخططيه.
صحيفة الوطن
[/JUSTIFY]