جعفر عباس

عدت حاملا أسفارا

[JUSTIFY]
عدت حاملا أسفارا

لم تكن مغادرة لندن إلى الدوحة، في نفس عسر مغادرة الدوحة الى لندن، ففي الأخيرة معظم أو كل أثاث البيت يخصّ المالك، وبالتالي لم نواجه همّ بيع أي شيء من ممتلكاتنا توطئة للعودة إلى قطر، بعد أن تعرضت قناة بي بي سي العربية لـ«الخلع»، لأنها صارت ناشزا في تقدير مموّليها السعوديين، وكما ذكرت في حلقات سابقة من هذه السلسلة، فقد نلنا تعويضا مجزيا من بي بي سي، وكانت هناك وظيفة مضمونة في انتظاري في قطر، وبالتالي كانت معنوياتي عالية، وكان أَقْيم ما خرجت به من لندن، عدداً هائلا من الكتب وهبته لي صاحبة البيت، فبعد ان رفضت عرضها بشراء البيت، زارتنا ذات مرة فوجدتني في غرفة الجلوس وأمامي تلّ من كتب كانت تختزنها في مرآب السيارات في بيتي (الذي هو بيتها)، وسعدت أيما سعادة عندما عرفت أنني قرأت الكثير من تلك الكتب، وتحدثنا عن بعض الكتاب والروائيين، وكادت ترقص طربا وهي تكتشف أن العربيقي ذا الأنف الأفطس الجالس أمامها، يحفظ مقاطع من سوناتات شكسبير عن ظهر قلب، ويعتقد ان مسرحية ماكبث لنفس الكاتب أروع من مسرحيته «هاملت»، بعكس ما يرى معظم نقاد شكسبير.. أعجبها هذا الرأي لأنها مثلي ترى أن حواديت الحب والخيانة في هاملت استمالت القلوب بينما ماكبث رجل متآمر لطخ يديه بالدماء بإيعاز من زوجته «الشريرة» ليصل الى العرش، ومن ثم، ورغم روعة الحوار والمواقف في ماكبث فإن «هاملت» وبطلها يحمل نفس الاسم ويتسم بشخصية مترددة ومهزوزة (لطخ) ظلت تحظى باستحسان أكثر من بقية مسرحيات شكسبير.

المهم أنه عندما أخبرتها بأنني «باي باي لندن» قالت لي إنها ستبيع البيت، وليس «عندها مروّة» أي حيل لنقل كل الكتب من البيت، وبالتالي عرضت علي أن احمل معي الى قطر كل ما يعجبني منها، وأخوكم «ما صدّق».. وأتيت بالكراتين الضخمة وملأتها كتبا، واستعنت بشركة شحن لتوصيلها إلى الدوحة.. وفي هذه اللحظة بالتحديد طرأ في ذهني سؤال: أين ذهب معظم تلك الكتب؟ اعتقد أنني اعرف الإجابة: بعضها استعاره أصدقاء ولم يعيدوه، والبعض الآخر غطسته زوجتي في مكان ما من البيت، لا يعرف حتى الدبان الأزرق الطريق إليه، ولا أعرف ما إذا كان الذباب (الدبان) الأزرق يتمتع بحاسة شمّ او نظر او قدرات استخباراتية استثنائية، حتى ينال تلك المكانة في «الفولكلور» المصري، أم ان عبارة مثل «أخسفك م الأرض حتى الدبان الأزرق ما يعرفش طريقك» تقال للتهويل، كقول مدير لموظف أمضى في الخدمة ثلاثة أشهر: قلت لك ألف مرة إن هذا كيت وكيت.

وهكذا كانت الكتب أثقل ما أتيت به من لندن وزنا، وتذكرت ذلك الأعرابي البدوي الذي التقى في بقعة صحراوية بشيخ جليل يقود قطيعا من الإبل تئن تحت حمولة ثقيلة، فسأله عن تلك الحمولة فأجاب الشيخ: إنها كتب في التوحيد، فقال الأعرابي على الفور: أفي الله شك يا هذا؟.. فما كان من الشيخ إلا أن أناخ الإبل وأنزل ما على ظهورها من أثقال.. ما قاله الإعرابي بلغة الشارع المعاصرة هو: هل وحدانية الله عايزة كتب متلتلة وطق حنك لإثباتها؟ وتذكرت الطرفة المتداولة في كثير من الدول العربية عن اعتقال رجال الأمن لرجل يوزع في الشارع أوراقا بيضاء، ولما تساءل عن سبب اعتقاله قالوا له: قصدك تقول إن الحاصل في البلد ما يحتاج لكتابة.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

تعليق واحد

  1. يا عباس كل الكلام دة عشان تعرفنا انك حافظ سوناتا حقت شكسبير الوطن يا عباس كايس ناس عشان الغلابة يعيشو يا مسقفين يا بتوع المدارس وخليك بين قطرك ولندنك