كلكم فنانين!
لم يعد في المقدور إحصاء اعداد المغنيين السودانيين.. ففي كل يوم يتفرخ أحدهم.. مقلداً أو مقلباً لما وجده من أغان.. بالصدفة المحضة تكتشف أنه يمكنك على ذات الطريقة الاستسهالية أن تصبح فناناً بالمقاييس الحالية.. «أجاركم الله من الفكرة».. وأنا استمع لفنان في إحدى المناسبات الاجتماعية هالتني فكرة تصديقه لنفسه أنه يمكن أن يطرب شخصاً واحداً ناهيك عن جماعة.. «يللا.. الباقي بتموه بعدة الشغل.. ساوند سيستم والآلات وحالة الهرج التي تجتاح الراقصين».. «ما علينا» فقط وددت أن أقول إننا جميعاً فنانين يمكننا ان نغني مهما كانت في أصواتنا قباحة أو فجاجة أو غلاظة.. أنه «الفن الحديث».. واخشى ما أخشى ان لا يصبح هناك مستمعاً واحداً بعد ان يغني الجميع.. كلكم فنان حتى إشعار آخر حتى لو تغنيتم «بتكتلونا وتعقدوا يا الحلوين هوي اهدوا».
٭ فنان الحيرة
«عبدو» المعروف في وسط الحي بأنه فنان الحيرة.. يدرك تماماً أنه لا يملك الموهبة ولا الصوت الجميل لكنه «حافظ عدداً كبيراً من الأغاني» لذلك عندما تكون هناك مناسبة لا يعرفون أو لا يستطيعون ان يوفروا لها فنان يقوم «عبدو» بسد الفرقة ويؤدي دور الفنان لذا عرف وسط الحي بأنه «فنان الحيرة» يعني «فكاك الحيرة» والغريب في الأمر أنه يستمتع بهذا اللقب ولا يجد حرجاً البتة.. ولكنه هذه الأيام أصبح «يتعزز» كما الليمون.. وبدأ يطالب بتحديد عداداً لمشاركته حتى ولو كانت المشاركة من باب الحيرة وحجته في ذلك.. سعر الصرف والتضخم والدولار.. والأزمة الاقتصادية.. وخروج البترول من الموازنة والمعالجات الاقتصادية.. ولكنه يعدهم «في القريب العاجل أن تعود الأمور إلى نصابها بعد دخول الإستقرار والأمن إلى حيز التنفيذ عقب التطورات الأخيرة».. هم لا يودون أن يعرفوا التطورات الأخيرة، ولا هو يريد أن يدخل معهم في جدليات «أهو مجرد كلام ونقة»..
٭ لسان الحال غلب
من أين تعرف توجهات المجتمع.. مؤشرات كثيرة.. من الحراكات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. وكلها تنعكس في شكل أدبيات تمر عبر التعبير وأدواته.. وعندما تصل لمرحلة تشكيل الوجدان تجد محاور الغناء رافد من روافد التعبير المؤثر اتفق الناس أم اختلفوا في ذلك.. ولكن الركاكة التي تصاحبه تعطي انطباعاً أن المجتمع يحمل في طياته الكثير من الارتداد عن الرقي والكلم الطيب.. فهل حمل الغناء الهابط المجتمع إلى حالة التوهان التعبيري أما العكس.. عموماً هو مؤشرًا للتسطيح والسذاجة واللامبالاة التي بات المجتمع يتعامل بها تجاه تفاصيل الحياة البائسة التعيسة.. وفي ذات الوقت لا يستقيم ان يطلب منه ان يسمو فوق تفاصيل ما يعيشه الفرد ضمن مجتمعه من تفكك وانفراط لبعض العُرى على وقع الضغوط الكثيرة.. اذن الخلل ليس في الغناء !! ولكنه في المجتمع الذي لسان حاله الغالب هذا التعبير الركيك.. كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟
٭ لا تغني أمامك متطرف
عندما أصبح «عبدو» شخصاً متطرفاً.. بات من حكم الحرام الغناء أمامه وهو الذي في أيام شبابه الأولى ملأ الكون ضجيجاً و عبثاً.. والآن يفتي لهم ان يستخدموا الدف وينشدون معه كذا وكذا أما غير ذلك فهو حراماً عليهم.. وكلما طرق في دروب الحي يخشون ان يمارس عليهم «شطحاته المتطرفة».. خاصة بعد ان قام بتكسير «رادي خالته» بحجة أن كل ما يقدم فيه لا يجوز الاستماع اليه.. وهم بتحطيم «تلفزيون حاجة نفيسة» لأنه يعرض مشاهد لفنانات متبرجات وراقصات.. وعبدو المتطرف يجد مبرراته مقابل هذه السطحية التي يظهر بها البعض.
٭ آخر الكلام
المرآة تعكس الصور سواء أكانت حقيقية أم خيالية بذات الأبعاد التي توجد بها في الواقع.. كذلك التعبير والغناء يعكس ما يجول في واقع المجتمع.. «أها يا ناس حلال وحرام»..
[LEFT]مع محبتي للجميع..[/LEFT]
[/JUSTIFY]
سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]