تحقيقات وتقارير

يوميات “الوطني” قبل المفاجأة.. قيادات عازفة عن الحديث وأخرى هاربة

[JUSTIFY]المركز العام بشارع أفريقيا يدبّ بالحراك ويضجّ بذوي الوزن الكبير من القيادات.. بوابة وحيدة سلمت من معاول الهدم بفعل بناء البرج الجديد تحت إشراف صيني سوداني.. يستقبل المدخل الصغير عددا من السيارات الفارهة؛ على رأسها طبعا “البي إم دبليو” التي يمتطيها نائب رئيس الحزب الجديد، بروفيسور غندور.. من ملمحها تبدو هي ذات السيارة التي كانت تقلّ سلفه دكتور نافع. غندور بدا الأكثر تواجداً في مكتبه بالمركز العام.. لربّما أراد أن يطبق مقوله منسوبة إليه إبّان مخاطبة له لقيادات حزبه: “أيّ عضو يجب أن يعطي من زمنه ستّ ساعات على الأقل للمؤتمر الوطني”.

حسناً؛ منذ إعلان التعديلات الأخيرة، لا يخلو المركز العام يومياً من لقاءات طرفها قيادات كبيرة ظنّ البعض أنّها غادرت الدفّة، هذا بخلاف الاجتماعات الراتبة للقطاعات.. حتّى الأخيرة أحدثت تعديلات في جداولها؛ فمثلا القطاع السياسي عدّل اجتماعه إلى مرتين في الشهر، عوضاً عن أربع، بينما تحوّل القطاع التنظيمي إلى السبت مساءً بدلاً عن ظهر (الثلاثاء)، لكن بالمقابل حلّت مكانها لقاءات أخرى، في قضايا أخر، لا تخرج من موجة الحراك داخل دهاليز الحزب.

رغم الحركة الدؤوبة التي أشرنا إليها، ولكن من الملاحظ أنّ كل القيادات أصبحت تلتزم الصمت المطبق.. لا أحد ينبس ببنت شفة، في ظل ترقب وانتظار يملآن الساحة، حول ما قيل بشأن مفاجأة يريد رئيس الجمهورية أن يطلقها استتباعاً لخطوة التشكيل الوزاري الماضية، والتعديلات في الحزب.

المعروف في الأروقة الإعلاميّة أن وجود عدد كبير من القيادات في مكان واحد يطلق عليه – بعض الصحفيين – مسمّى (الصيد الثمين)، لجهة أن هؤلاء المسؤولين سيدلون بأكبر قدر من المعلومات والتصريحات الصالحة للنشر، لا بوصفها أخبارا عادية، ولكنّها على أقلّ تقدير في صدر الصفحات الأولى، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه! هكذا هو حال الزملاء الذين يغطّون دائرة المركز العام للوطني، وأنا واحد منهم..

ثمّة مواقف ترصدها يوميات هؤلاء الزملاء من داخل المركز، فعلى الرغم من حديث بعض القيادات عن مفاجأة، وتبشيرهم بها علناً في تصريحات منشورة، لكنهم يمتنعون عن الحديث هذه الأيام!

* مالكم يا صحفيين؟

أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان السابق رئيس لجان الإصلاح داخل الوطني وجدناه (الخميس) الماضي خارجاً لتوّه من لقاء جمعه بجانب آخرين، عندما وقف الصحفيّون بجواره لم يشأ الحديث.. أوّل سؤال وجّه للرجل كان عن تصريحات للترابي، منقولة على لسان القيادي بالحزب، بشير آدم رحمة قال فيها الأخير إنّ الترابي اشترط في لقاء جمعه بجيمي كارتر، الرئيس الأمريكي الأسبق، المشاركة في الانتخابات المقبلة بتأجيلها إلى سنتين.. الطاهر في لهجة تجمع بين السخرية والتهكم قال: “الترابي قال كدا؟ يا سلام.. والله شيء جميل”.. فتح الرجل باب سيارته “المرسيدس”، وجلس في مقعده وأضاف: “أنا لن أعلّق على تصريحات أيّ شخص”..

الصحفيّون بالطبع لم يتركوا الطاهر يرحل، على الرغم من أنّ الرجل وضع يده في مقبض باب السيارة، إذ انهمرت عليه الاسئلة تباعاً، تستفسر حول ماهيّة المفاجأة التي يريد الرئيس إعلانها؟ أومأ برأسه وقال: اسألوا التنفيذيين من قيادات الحزب.. قلنا له: “يا مولانا كلّ اللعب في الحزب عندك إنت”.. الطاهر بالطبع واحد من القيادات النافذة في كابينة الحزب والدولة، قبل أن يعفي من رئاسة البرلمان وبعدها، فهو من المقرّبين، ورُغم الإلحاح إلا أنّه رفض الإدلاء بايّ شيء مفيد، بل إنّه أبدى ما يشبه التذمر، وقال: “يا الله.. مالكم يا صحفيين؟ إنتو زمان ما كنتو كدا”، إلى هذا الحدّ تركناه يرحل.

* اصبروا علينا شوية

قبل الاحتكاك مع الطاهر كانت سامية أحمد محمد أشارت لنا بيدها إلى الطاهر، ومضت، ما يعني أنّها لا تريد أن تتحدّث.. سامية رفضت هي الأخرى الكلام، رغم أنّ البعض قال إنّ “وثيقة الإصلاح التي يعتزم الحزب إخراجها تقبع في مكتبها”!

في ذات الليلة كان الدرديري محمد أحمد، رئيس قطاع العلاقات الخارجية الجديد موجوداً، لكنه تحجّج بأن خطته في القطاع لا زالت لم تتضح بعد، وبالتالي هو يحتاج لبعض الوقت، وأضاف: “أنا حأقول ليكم كلّ شيء، بس اصبروا علينا شوية”، لكن الدرديري عندما لمس رغبة وإصرار الصحفيين عليه، تكرم بالحديث عن زيارة كارتر ولقائه بالرئيس.

* صداقة وامتناع

على قمة هؤلاء يأتي إبراهيم غندور، فهو رجل ذو علاقة خاصة مع الوسط الصحفي على وجه الدقة، ومع ذلك لا يستطيع الكثير من الصحفيين استنطاق الرجل، إلا في مناسبات رسمية، ويبدو أن غندور يعمل بسياسة تقوم على “صداقة الصحفيين والامتناع عن التصريحات”.. الرجل يتمتع بدبلوماسية مصحوبة بذكاء عدم الاستجابة للأسئلة المستفزة، فأيام تعيينه الأولي وجده الصحفيون في المركز العام.. قبل ان يسألوه باغتهم بقوله: “على الحرام ما بصرح”، فضحك الجميع وعلى ذلك كان ديدنه؛ يصافح الصحفيين يداً بيد ويذهب.

* الحاج آدم والجاز

لم يغب عوض الجاز عن دار الحزب، فخلال الأسبوع الماضي كان حاضرا ولكنه امتنع هو الآخر عن الحديث واكتفى بقوله “نحن السياسة دي ما عندنا بيها شغلة” فعندما سئل عن “أزمة الوقود” رد بقوله: اذهبوا لناس النفط. وعلى ذات المنوال كان الحاج آدم يوسف رئيس القطاع السياسي السابق نائب رئيس الجمهورية، الذي قال للصحفيين “أي تصريحات داخل المركز خاصة في أيام اجتماع القطاع السياسي أوكلت لقبيس أحمد المصطفى نائب أمين الإعلام” هذا قبل ان يصدر قرار بإعفاء الحاج من رئاسة القطاع وأضاف: “إذا وجدتموني في غير هذا اليوم فسأصرح”.

حالة العزوف عن الحديث المباح كانت هي السمة التي طغت على مواقف قيادات المؤتمر الوطني خلال الأيام الفائتة، هي حالة بحسب البعض تحتمل أكثر من تفسير: إما أن الكثير من قيادات الحزب الحاكم لا تعلم ما يدور وتمارس الهروب عبر بوابة عدم الحديث أو أن هناك توجيهات عليا تمنع الإدلاء بأي كلام عن ما ينوي الرئيس إخراجه، على الأقل قبل أن يستوي نضجه.. مصادر نافذة قالت لـ(اليوم التالي) إن تداول القرارات والسياسات المهمة أصبح يتم في دائرة ضيقة لا يسع قطرها لأكثر من خمسة أشخاص هم حول الرئيس

آدم محمد أحمد:صحيفة اليوم التالي[/JUSTIFY]