جعفر عباس

طارت وتقاعدت ونحن مفرملون


[JUSTIFY]
طارت وتقاعدت ونحن مفرملون

تعاطفت كثيرا مع السيدة الألمانية التي كانت في مطار القاهرة، عندما سمعت النداء بركوب الطائرة المتجهة الى وطنها، أصيبت بحالة من الهستيريا والصراخ وانتهى بها الأمر وقد تجردت من ملابسها تماما، وتمكنت سلطات أمن المطار من السيطرة عليها وحقنها بمادة مهدئة وتسليمها لسفارة بلادها، وبالمناسبة فإن خوفي من ركوب الطائرات «امتد» ليشمل المصعد الكهربائي (الأسانسير)، واكتشفت في النهاية ان ذلك ناتج عن مرض نفسي يسمى «كلستروفوبيا» وهو الخوف من الأماكن الضيقة المغلقة (تعافيت منه بحمد الله بنسبة كبيرة)، ولولا خوفي من ركوب الطائرات لكنت ضمن أقلية عربية استخدمت طائرة الكونكورد في السفر من مكان إلى آخر، وكنت قد اقنعت نفسي بأنه طالما أنه لا مفر من استخدام الطائرة للسفر فلماذا لا أركب طائرة تختزل الوقت وتوصلني إلى وجهتي بأسرع ما يمكن و«أَخْلَصْ»، ولكن الكونكورد دخلت الخدمة ثم تقاعدت من دون ان أركبها، ولا أعتقد ان عدد العرب الذين استخدموها يتجاوز الألف… ركِّز معي: ظهرت طائرة تتجاوز سرعتها سرعة الصوت وطافت بعدد من البلدان، من دون ان تمر بأجواء أو تهبط في مطار أي دولة عربية في رحلة تجارية!! فهمت شيء؟ يعني الزمن جرى ومازال يجري من حولنا ونحن عاجزون عن مواكبته واللحاق به!! قبل يومين علمت ان شقيق أحد أصدقائي في العاصمة القطرية الدوحة، شرَّف المدينة، فقمت بزيارته.. كان الرجل فوق الأربعين بقليل، وبدا لي ان حالته الصحية سيئة للغاية، فسألت صديقي عن العلّة التي يعاني منها شقيقه فقال: ما عنده شيء، وصحته حديد، وكل ما في الأمر هو أنه ركب الطائرة للمرة الأولى في حياته، وقضى الرحلة من الخرطوم الى الدوحة وهو يبكي عياله الذين سيصبحون بلا عائل، ويوصي الركاب بهم خيرا، حتى انتقلت عدوى الخوف الى جميع من كانوا حوله في الطائرة، لأنهم حسبوا أنه على علم بأن الطائرة مصابة بخلل ما، الى أن بلغ الغضب بأحد الركاب الدرجة التي صاح فيها في وجه شقيق صديقي: لماذا توصينا على عيالك؟ هل ستكون المتوفى الوحيد في حال سقوط الطائرة؟ هل تضحك ايها القارئ «المتحضر» على الرجل الذي لم يركب الطائرة حتى تجاوز الأربعين؟ اضحك حتى صباح يوم الغد لأن أكثر من 85% من أبناء الحظيرة العربية لم يركبوا طائرة طوال حياتهم، ونحو 60% من أبناء تلك الزريبة لا يتعاملون مع الحنفيات والمياه الجارية المصفاة، ومثلهم لا يزالون يطبخون طعامهم «على الحطب»،.. أذكر أنني قررت في أول السبعينيات ان أُدخل والدتي عالم القرن العشرين فاشتريت لها جهاز طبخ يعمل بالغاز، وشرعت أشرح لها كيفية استخدامه ولكنها لم تمهلني، شتمتني ووصفتني بالعقوق واتهمتني بأنني أخطط لقتلها «عشان الورث».. حاولت ان اقنعها بمزايا طباخ الغاز وذكرتها بأنها لا تملك شيئا من «الورث» حتى تلبسني تلك التهمة الظالمة، ولكن بلا طائل، فأخذت الطباخ وأهديته لإحدى شقيقاتي، ولم تقتنع امي بجدواه إلا في نهاية عقد الثمانينيات، ثم سمعت بأنني أعتزم زيارتها بعد نحو أسبوعين، فطلبت مني ان احضر لها فرن مايكروويف!! فقلت لها: ينصر دينك يا حاجة آمنة.. كده تكوني رفعت راسنا، وتثبتي لأهل الخرطوم اننا نحن النوبة قادرون على مجاراة العصر! كم سعدت بأن أمي صارت تقبل التعامل مع التكنولوجيا بينما نحو 90% من ابناء وطننا الكبير، يستعيذون من الشيطان اذا سمعوا كلمة مايكروويف لأنهم يحسبونها نوعا من الميكروبات.[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. التكنولوجيا ومجاراة العصر اضرت بناس الشمال! من غاز اوبزور محسنه اوالمبيد الكمياوي الحشري اوالسماد الملوث والنتيجه مرض جنون البقر و مرض انفلونزا الطيور والسرطانات بانوعها المختلفه والازمات والحساسيه وغيروا وغيروا واللهث وراء غلاء المعيشه في حين انو الناس كانت مرتاحه تزرع وتأكل وتسوق يوم واحد في الاسبوع ؟ومجاراة التكنولوجيا جاب وجع القلب لما ترسل الابناء للاغتراب ودا حقيقي كم وكم اب او ام بتحلم برويه ابنها لما ماتت بالحسرة والهم؟الناس في بلاد الغرب بدوا يحنوا ويعودوا للحياة القراويه من زراعه بدائيه اواعشاب خاليه من مواد كمياويه للحيوانات وبدأت تنتج وتوزع لكل العالم مايسمى بي(Organic-food) يعني اكل خالي من المواد الكمياويه وطبيعي نقي:)

  2. السلام عليكم،،،
    حقيقة انا ماعندي اي رأي في موهبتك في الكتابة يا ستاذ جعفر بس اخر 20 موضوع كان نفسي اقراهم ليك كلهم بتكلموا عنك، وانك سافرت ومشيت وجيت وعملت و…ت،……ت.
    بس سؤال هل كل كتاباتك بالطريقة دي، يعني حكي عن ذات؟ ولا بس انا صادفته السلسلة دي؟
    وهل حكاية لندن والدوحة دي سلسلة الناس متابعنها معاك ولاشنو؟
    حقيقي انا ماقريت غير “طارت وتقاعدت ونحن مفرملون” وفهمته ما اردت ان تقوله عامة…لاني كل مافتح موضوع اجد فيه تاء المتكلم…..
    بس اذا دي طريقتك في الكتابة، هل هي مدرسة من مدارس كتابة الصحافة وتوصيل الفكرة؟ ولا شنو؟؟؟؟