تحقيقات وتقارير

خطابات الرئيس .. خفايا الإعداد والإخراج

[JUSTIFY]لطرفة تقول: إن أحد الأنصار أقسم بأن سيده الإمام الصادق قال في خطاب له أحلى كلام، ولما سألوا الأنصاري عن ما قاله المهدي أجاب: هو نضم سيدي بتعرف».. لكن الأطرف منها تعليق شهير لمواطن من دائرة البرلماني الشهير الطيب الشبارقة قال: والله قالوا لينا الطيب «نضم جنس نضم» في البرلمان.. استفسروه عن ما قاله وعلق: لما قال السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد.. أنا «أما بعد» دي يطرشني ما سمعتها قبل كده..

ولعل الحديث عن الخطابات مرده خطاب رئيس المؤتمر الوطني المشير عمر البشير أمس الأول- لابد من التذكير أن المناسبة كانت خاصة بالحزب الحاكم، وقد كتب ذلك في اللافته التي نصبت خلف الرئيس. وقد أثار خطابه ردود أفعال متباينه على الأقل من الجانب الشكلي، رغم أن مضمون الخطاب وروحه وضع مؤشرات لمسائل مهمة «أس المشكل» وهي الحرب والسلام / الهوية السودانية / الأزمة الاقتصادية والحوار والوفاق الدستوري.

لكن الخطاب يعود بنا للأجواء التي تكتب فيها خطابات الرئيس ومن يكتبها وكيف ومتي؟.. ويتصدر النائب الأول السابق علي عثمان المسرح حيث يعد أبرز من كتبوا خطابات الرئيس، وتقول مجالس الإسلاميين الخاصة إن الرجل ظل يكتبها منذ الثلاثين من يونيو 1989 خاصة خطابات أعياد الثورة، إلى أن عُين وزيراً للتخطيط الاجتماعي وكان قريباً منه المحبوب عبد السلام صاحب اللغة السهلة وظل طه يولي خطابات الرئيس في البرلمان اهتماماً خاصاً ومباشراً لأنه مسؤول من الجهاز التنفيذي- وهما خطابان في العام- الأول عند افتتاح الدورة كونه يضع السياسات العامة، والثاني عند ختام الدورة الذي يحمل في مضمونه تقييماً للأداء.. ويعد خطاب الرئيس الذي تلاه في البرلمان والحكومة متجهة لمفاوضات نيفاشا من أبرز خطاباته.

لكن يعد السكرتير الصحفي السابق للرئيس محجوب فضل بدري أكثر المسؤولين الذين كتبوا خطابات الرئيس، حيث ظل يكتبها طيلة فترة وجوده بالمنصب تقريباً منذ العام 2003- 2009 وما يميز محجوب فضل لغته البسيطة وامتلاكه ذخيرة وافرة من المعلومات، وهو صحفي ورجل في قلب المجتمع، ولذلك كانت خطاباته تعبر عن الواقع مقارنة بخطاب الأمس الذي بدأ عليه بعض التعقيد، بحسب وصف الكاتب الصحفي والإعلامي المعروف الطاهر حسن التوم الذي قال لـ«آخر لحظة» أمس إن صياغة الخطاب غير متناسقة حيث كان من المفترض أن يكتب بلغة وسطية غير معقدة وفلسفية، وأضاف: كان يمكن أن يكون ديباجة لوثيقة الإصلاح، ونوه إلى أن الأخيرة لا تقرأ كاملة بل يعبر عن مضامينها كون الخطاب موجه لعموم الشعب السوداني، واستدل بأن الناس اعتادت على البشير بلغته البسيطة.. وعزا الطاهر الذي يعد من الشخصيات التي تُقيم خطابات الرئيس كتابة تستأنس بها جهات- أن الخطاب أعد في المؤسسة الحزبية وليس الرئاسية.

ويقول مصدر موثوق لـ«آخر لحظة» إن وزير سابق «مؤتمر وطني بالوكالة» كتب خطاباً للرئيس رفض البشير تلاوته عند إطلاعه عليه، وعلق »أنا بتلو خطاب بسيط بعبر عننا كسودانيين»، وكان تعليق الوزير : نحن عاوزين نرفع الناس»، وجاءت الإجابه الصحيحة والمتوقعة من الرئيس: لكن نحن عاوزين ننزل للناس»، وبالفعل لم يبصر الخطاب الفلسفي النور.

الموجهات العامة لخطاب الرئيس والصياغة تتطلب دقة وإحكام، ولعل ما لفت الانتباه لخطابات الرئيس عامة هي خطاب أمس الأول الذي تردد أن د. سيد الخطيب «مدير مركز بحثي» هو من أعده والذي سبقه ارتفاع سقف التوقعات لدى العامة بعد تداول الإعلام لكلمة «مفاجأة» والتي لم ترد أصلاً على لسان مفجر المفاجأة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، أماط اللثام عن خطوة للرئيس.. وقد ألمح الوزير السابق د.أمين حسن عمر الذي يعد من الشخصيات التي كان يستعين بها علي عثمان في صياغة خطابات الرئيس بجانب كل من الوزراء السابقين د.أزهري التجاني وعبد الباسط سبدرات ود.المعتصم عبد الرحيم- وقد استوثقت من صحة المعلومة من د.أزهري الذي لم أشأ أن أخوض معه في الأمر وهو يعد من منظري الحزب ويجيد الصياغة بشكل مذهل – أعود وأقول إن د.أمين ألمح لدى استضافته في برنامج مراجعات بقناة النيل الأزرق لاستعجال خطاب البشير الأخير وهو ماعضده الوزير د. مصطفي عثمان في حديثه للزميلة السوداني أمس عندما قال: استعجلنا الخطاب حتى لا يحبط المواطن من فرط السقوفات.

ويشير السفير الطريفي كرمنو في حديثه معي إلى مسألة مهمة تتعلق بالخطابات الرسمية إجمالاً خاصة الرئاسية منها، وهي سد باب التأويل بعدم ذكر مدلولات ومفردات تكون خاضعة للتفسير مثل المادة القانونية بحيث تصل للموضوع المستهدف وضرب مثالاً بالبيانات الختامية للمؤتمرات، وقال هل يكتبوا «ينبغي» أم «يجب» و «كل» أم «جميع».

الاهتمام بخطابات الرئيس تعدى علي عثمان وتنزل إلى خليفته بكري حسن صالح بإسهامه عندما كان وزيراً برئاسة الجمهورية في تطوير خطاب الرئيس تقنياً، وقد علمتُ أنه أول من أدخل شاشة «البرومتر» – الملقن – وهي اللوحات الزجاجية التي ظل الرئيس يتلو خلالها خطاباته من شاشتين تنصبان يمينه وشماله في المنصة وقد تم استجلابها من جنوب أفريقيا وتوصل بجهاز «لابتوب» ويقوم شخص من على البعد بتحريك الصفحة حسب النفس الذي يُتلا به الخطاب وهي مكنت الرئيس بشكل كبير من «أخذ راحته» عند تلاوة خطاباته، كان آخرها في ذكرى الاستقلال.. ويشير أستاذ التنمية البشرية والخبير في مجال الاتصال الفعال عبد الماجد عبد الحميد في حديثه لـ«آخر لحظة» إلى أن البشير من أميز الرؤساء الذين يمتلكون القدرة في التعبير عن ذاتهم، وهو من فئة الشخصيات البصرية والسمعية وليس الحسية التي قال إن مساعد الرئيس عبد الرحمن الصادق من أبرز خريجي المدرسة الأخيرة حيث لا يعجز في ارتجال خطاب متوازن.

ويضع محجوب فضل في حديثه لـ «آخر لحظة» أمس خطوط عامة لخطابات الرئيس التي كتبها حيث كان يركز فيها على القضايا، حيث تمهد المقدمة لمتن الخطاب والمتن يشرح نفسه والخاتمه تلخص، وقال دائماً متن الخطاب يحوز على 80% منه وبقية النسبة تتقاسمها المقدمة والخاتمة.. وحول طول وقصر خطابات الرئيس قال إن أطولها «مابين 25 إلى 30 صفحة»، وهي تستغرق نصف ساعة وهي التي تقدم في البرلمان.. وشدد فضل على أن خطاب الرئيس يكون سياسي بحت، مثل إعلانه أن يكون العام الحالي عام حسم التمرد بينما يجعل طرق الحسم والكيفية مع الجيش. وأكد فضل أن علي عثمان أفضل من يكتب الخطابات، وكشف عن أن طه ظل حريصاً على مراجعه أي خطاب كتبه، بل ذهب لأبعد من ذلك، بأن روى أنه لم يكمل كتابة أحد الخطابات حتى نهاية الدوام ما دفع طه لتوجيهه بإيصاله له في منزله.

ومهما يكن فإن كلمة صغيرة في خطاب قد تحدث جدلاً، وما كلمة «التوالي» التي جعلت الناس في نقاش «طوالي»س ببعيدة.

صحيفة آخر لحظة
تقرير : أسامة عبد الماجد
ت.إ[/JUSTIFY]