جعفر عباس

نربّيهم أم يربّوننا؟ (2)


[JUSTIFY]
نربّيهم أم يربّوننا؟ (2)

لا أعرف نظرية «ما تخرش ميّه» في تربية العيال، ولكنني على الأقل أعرف أن بعض العيال ينشأون فالتين وفاسدين لأن الأبوين مطنشان أو مش فاضيين، أو هم أنفسهم بحاجة إلى إعادة تربية وتأهيل، ولأن الرجل دائما على حق فانني عادة احمل زوجتي مسؤولية أي خطأ سلوكي يقترفه عيالي فتقول تعقيبا على ذلك: من شابه أباه…. ومع هذا فانني ما زلت مصرا على ان زوجتي لا تقدم إلى عيالنا سوى الدلع: مالك يا حبيبي.. لقد أرهقت نفسك بالمذاكرة كثيرا فلماذا لا ترتاح قليلا..نفسك تأكل ماذا؟ بيرغر أم بيتزا؟ وددت لو أقول لها إن رغبتك في التهرب من المطبخ هو الذي يحدوك إلى الاستجابة إلى ما يطلبه المستمعون! ومع هذا فانني اقر بحق زوجتي في تدليع عيالها كما تشاء ولكنني لا اقر بحق أي شخص غيرها في الإفتاء في امر تربية عيالنا، فهناك جنس من البشر لا يكفون عن حشر أنوفهم القميئة في كل شيء ويحلو لهم النطق بالحكمة من دون ان يطلب احد منهم ذلك: المفروض عندما يفعل الطفل كذا ان تقوم أنت بكذا! وانت مالك يا سخيف؟أحيانا تأتيك الحكمة من شخص غير متزوج يعظك في شؤون التربية لأنه قرأ مقالا او اثنين حول الموضوع: الطفل لما كذا لازم كذا وكذا!! وهؤلاء ينتمون للفئة التي تؤمن بالكتالوج في التربية والسلوك، وبعضهم يحفظ أقوال برفيسور فلان بن ماجلان عن ظهر قلب ويستشهد بها في معظم الشؤون.
وهناك ما يجعلني اعتقد ان أسلوبي في التربية يقوم على «اللا- أسلوب»، يعني لا أمارس التربية في ضوء أو على هدي معايير معينة، باستثناء الضوابط الدينية والاجتماعية المتعارف عليها، ونكاية بعلماء التربية والمتخصصين في شؤون تنشئة الصغار، لم يحدث قط مثلا ان جعلت احد أطفالي ينام في غرفة منفصلة إلى ان يتجاوز عامه الثاني..يعني ينام بالقرب مني انا وأمه كي نستجيب لأي حركة كده وللا كده من جانبه، ولا أميل إلى حرمان أطفالي من حرية «التعبير» بخنقهم بالحفاظات او البامبرز على مدار الساعة، بل واتبع تقليدا يعتبره الكثيرون غير تربوي باننا (أي جميع أفراد العائلة) ننام جميعا في غرفة واحدة في عطلة نهاية الأسبوع مرة في الشهر، فتجد المراتب والحشيات مبعثرة هنا وهناك، وتشتعل المشاجرات عندما يتنافس العيال على مواقع معينة وخاصة تلك التي تتلقى تيارا مباشرا من المكيف، ويتطلب هذا الترتيب فرض حظر التجوال بعد إطفاء الأنوار تفاديا لقيام أحدهم بدهس الآخرين في الظلام، وأحس بسعادة شديدة عندما يصر أحدهم على النوم قريبا مني، ويهاجر بي الخيال إلى السودان حيث ينام جميع أفراد الأسرة في الحوش الذي هو فناء الدار، ترفع رأسك عندما تأتيك صحوة مفاجئة فترى جميع من تحبهم حولك فتدخل الطمأنينة إلى قلبك، وتعرف ان الفجر قد أتى عندما تقوم الجدة او الأم بالوضوء محدثة جلبة عالية لإيقاظ الآخرين «بغير عمد»، وتبدأ عنزة الجيران في الثغاء لإسهال أصابها بعد ان أكلت خبزا ذا صلاحية منتهية، أو لأن صاحبتها ما زالت تعصر ضرعها على أمل الحصول على قطرات إضافية من الحليب..تنتعش روحي بكل ذلك وأتذكر العنزة التي كانت تتولى إرضاعي في طفولتي وأتذكر ان لي عنزات أخوات لي في الرضاع، فتنزل على خدي دمعتان واحتضن ابنتي مروة المشاغبة بقوة حامدا الله الذي لم يجعلها بهيمة! [/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. يا أستاذي اقترح عليك لو جمعت كل مقالاتك الأسرية هذي في كتاب واحد أريح إليك ويكون قصة حياتك وأولادك وكل عائلتك لكي تريح القاري