رأي ومقالات
د. أمين حسن عمر: منذ بيان الثورة الأول لم يثر خطاب من الخطابات الرئاسية إهتماماً بالغاً محلياً ودولياً قبل أعلانه مثل الخطاب الأخير.
القضايا المهمة :
ولئن كان الخطاب تقاصر عن أمنيات البعض وخالف تكهنات البعض الآخر إلا أن ذلك لم يقلل من أهميته الكبرى عند ذوي البصيرة السياسية . فجوهر الخطاب يدعو إلى وضع كل الأجندات على طاولة مستديرة لا يُحجب عنها أحد ولا يُمنع من الوصول إليها أحد . ما لم يصر على حمل السلاح سبيلاً لاكراه الإرادة الوطنية لتنزل على مقتضي ما يريد. والأريحية الرئاسية دعت أبناء الوطن جميعاً إلى الاجتماع على كلمة سواء تهييء الوطن جميعاً للنهوض من علائق الأرتهان للوثوب إلى مستقبل أفضل . وهو مستقبلٌ تتوافر كل مقوماته لولا الشقاق والإنشقاق وجوهر الخطاب يقول لأهل السودان أن كل صاحب رأي من السودانيين جدير بأن يحتفى برأيه . فلا يُهجن ولا يُبخس بل أن كل الأصوات مسموعة وكل الآراء يتسع لها المجال . فكأنه عصف ذهني هائل على مستوى الوطن بأجمعه ولا يصح إلا الصحيح ولا يبقى إلا ما ينفع الناس والوطن . والصحة والنفع لهما معيار واحد هو الرأي الأغلب لأبناء الوطن. ولكي يتحقق ذلك المطلوب فإن أول مقتضياته أن يستجيب جميع الفرقاء إلى دعوة الحوار. وأن يعلنوا ان لا سبيل لتغيير أو إصلاح إلا عبر الحوار السلمي . وان يُرفع الغطاء السياسي تماماً عن أولئك الذين يريدون أملاء شروطهم السياسية على الجميع عبر فوهة البندقية.
أما قضايا الحوار المهمة فهي أولاً كيفية إستكمال السلام ليعم جميع ربوع الوطن والأولوية هي الاتصال والتواصل مع أولئك الذين حملوا السلاح . ليُصار إلى إستكمال استحقاقات الاتفاقيات والبرتكولات الموقعة، ثم ينضم هؤلاء إلى مائدة الحوار حول قضايا بناء الجمهورية الثانية بدستورها ونظامها السياسي ونظامها الإنتخابي . والترتيبات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف والمقاصد الوطنية. ولعل أول المطلوبات لتحقيق ذلك هو حوار تمهيدي حول الترتيبات الضرورية لبناء الثقة وتوفير مناخ أمثل لحوار منتج و بناء . وقبول بعض الأحزاب مثل حزب الأمة القومي والمؤتمر الشعبي ومجموعة الإصلاح الآن مبدأ الجلوس للحوار حول ذلك أمرٌ يدعو للتفاؤل . فأن القطيعة السياسية كانت في الماضي هي ما يحول دون بناء الثقة بين الفرقاء . وهو ما كان يمنع التقدم نحو حوار هو حوار أهل السمع والبصر لا حوار العميان والطرشان الذي وسم الساحة العامة لحقبة ممتدة من الزمان. واستكمال السلام يكتمل بالمسالمة السياسية . و أعني بها التوافق على نهج يتيح السبيل إلى ممارسة واسعة لحرية مسئولة تقوم على احترام الشرعية وأحترام الحقوق والحريات والحرمات في آن واحد. ذلك أن عدم أحترام الفرقاء لمبدأ الشرعية الدستورية والقانونية يُعطي مبرراً لأهل الحكم للانتقاص من الحقوق والحريات . فلا تزال في نقص يتناقص مما قد يبرر كل خروج غير شرعي لدى الخارجين على الدستور والقانون . ووثيقة الإصلاح التي أعدها المؤتمر الوطني قد تطرقت بأسهاب لقضية استعادة المناخ المعافى للمارسة السياسية الحرة. وذلك من خلال توافقات تؤكد على علوية المباديء الدستورية والقانونية وعلى قدسية ممارسة الحريات المكفولة بالدستور والقانون. ويُبلغ ذلك من خلال حوار يقضي إلى الاتفاق على التأكيد على الحريات كما وردت في الدستور . والاتفاق على آليات للقضاء المستعجل في حال عدم الإلتزام بها من قبل الممارسين أو المسئولين على حدٍ سواء. فقضية الحريات قضية مركزية لدى الحديث عن إعادة بناء النظام السياسي الديمقراطي الذي يسع الجميع، ولا يضيق إلا بمن ضاق به. بيد أن ممارسة الحرية أشبه ما تكون بالإلتزام بقواعد المرور . ذلك أن حرية المرور الحر السريع لن تتوفر إلا بأحترام جميع الراكبة والسابلة بقواعد السير. فاذا أخل طرف من الأطراف بالقواعد ولم يؤخذ على يده أوشك الأمر أن يصير إلى فوضى كبرى. وما يحدث على صعيد السياسة في بلدنا هذا أشبه ما يكون باختلاط الحابل بالنابل في ساحة لم يتراض شاغلوها على قواعد التجمع والتحرك والوقوف. والتراضي هو جوهر المساجلة السياسية مثلما أن التوافق على القواعد هو جوهر كل منافسة وكل مباراة . والتوصل إلى هذا التراضي يقتضي قبولاً حقيقياً بالآخر الذي ليس هو بالضرورة الصاحب المتمم للكيف بل ربما يكون هو الآخر الذي يزيد كثافة الهواء بانفاسه الصاعدة الهابطة.
والقبول بالآخر هو ميسم الديمقراطية الأول وهو علامتها المسجلة. سواء كان العرض داخل الأحزاب والقوى السياسية نفسها ، أو فيما بين هذه القوى السياسية في الساحة العامة. وعلامة القبول بالآخر هى اختفاء لغة الكراهية والقطيعة والإقصاء واستبدالها بلغة الجوار السياسى( بالجيم لا الحاء المهملة ) وذلكم على أقل تقدير . فالانسان عادة لا يختار جيرانه ولكن ذلك لن يمنعهم حقوقهم مهما اختلفوا معه في الرأي أو المزاج والهوى. ولغة الجوار السياسي هو أن نقبل الآخرين على علاتهم كما نرجو أن نقبل بواسطة الآخرين على علاتنا وان نلُمهم على شعث كما نرجو ان نلتئم معهم على شعث فأي الرجال المهذب؟
ان الأوضاع السياسية في بلادنا تحتاج إلى إصلاح عاجل أو بلغة بعض الأصدقاء إلى الإصلاح الآن . وذلكم يعنى الإصلاح غير المؤجل. وجوهر هذا الإصلاح هو تسويد الروح الديمقراطية في الممارسة السياسية في الكلي من الشأن الذي هو المجال السياسي العام وفي الجزئي منه الذي هو التنظيمات السياسية وسائر التنظيمات الأخرى الإدارية أو تلك في المجتمع المدني . فالجميع يشكو من الآخرين ولسان حاله يقول (الآخرون هم الجحيم) . وننسى أننا أيضاً بعض أولئك الآخرين لدى الآخرين. ان الديمقراطية خلقٌ قويم مثل خلقُ الأمانة والصدق . فأبحث عنها في نفسك التى بين جنبيك قبل التماسها لدى الآخرين . فاذا لم تجدها في نفسك فاعلم أنك غير مستحق لها من الآخرين. ان سائر الحريات الديمقراطية تقتضي واجباً في المقابل . فحرية القول تقتضي واجب الاستماع وحرية الانتقال تقتضي واجب الافساح وحرية الاحتجاج تقتضي واجب الامتناع عن المضايقة والإيذاء وهلم جرا كما كان يقول القائل . ولأن فاقد الشيء لاينتظر منه أن يُعطيه ولأن الجزئي هو المكمل للشأن الكلي فإن إصلاح الأوضاع السياسية لابد ان يتزامن فيه أصلاح الجزئي مع إصلاح الكلي . والمعنى هو اصلاح الحال الديمقراطي داخل الأحزاب واصلاح الحال الديمقراطي فيما بينها في ذات الآن والأوان على حدٍ سواء. ولذلك فأن المؤتمر الوطني أخذ على نفسه ان يبدأ بنفسه فكان الجُزء الأول من وثيقة الإصلاح هو تطوير واصلاح الحزب . ذلكم أن فاقد الشيء لا يعطيه. وإصلاح الحزب يهدف الى ترسيخ القيم الديمقراطية والشورية فيه وتوسيع المداولة الفكرية والسياسية في أنحائه ومستوياته ومسئولياته مداولة بالرأى وتداولاً للمواقع وتحملاً للأعباء وأستحقاقاً للحقوق بالدأب والجهد والعمل.
د. أمين حسن عمر
كلام موزون و عاقل و مبشر
كلكم دجالين و منافقون
من كبيركم لصغيركم ليس إلا !!!!!!!!!!