د. عارف عوض الركابي : د. الترابي والصادق والموقف من السنة النبوية «1/2»
لأضرب بعض الأمثلة حتى يتضح للقارئ بالمثال ما أقول، لقد وصف الصادق المهدي حديث أن النساء ناقصات عقل ودين وأنهن أكثر أهل النار بــ «أحاديث الفقه الذكوري»!! وهي عبارة يكررها كثيراً، وكما جاء في صحيفة «الرأي العام» في غرة ربيع الأول عام 1430هـ «بأن الصادق المهدي أفتى بعدم صحة الحديثين»!! والحديث الذي يصفه الصادق المهدي بأنه «حديث فقه ذكوري» هو ما رواه أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ــ صلى الله عليه وسلم ــ فِى أَضْحىً ــ أَوْ فِطْرٍ ـ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ». فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ». قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ«أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ». قُلْنَ بَلَى. قَالَ « فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ بَلَى. قَالَ «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد في المسند وأصحاب الصحاح والسنن والمسانيد.
وفي النقاب يخرج الصادق المهدي بين كل فترة وأخرى بالكلام فيه وفي إنكاره بل إنه يكرر أن النقاب يلبسه المجرمون، علماً بأن أحاديث تغطية الوجه ثابتة في النصوص الشرعية قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «إن العمل استمر على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال» ـ وقال ابن تيمية رحمه الله: «كانت نساء المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب» ـ وقال ابن رسلان: «اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات». ـ وقال أبو حامد الغزالي: «لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات». وهؤلاء العلماء ينقلون اتفاقاً اعتمد على الأدلة الشرعية والنصوص النبوية الثابتة، وللصادق المهدي كلام كثير في قضايا المرأة ويكفي أنه يتبنى اتفاقية «سيداو» التي تدعو إلى مساواة المرأة بالرجل في فقه الأسرة في الزواج والطلاق والعدة والميراث والشهادة وغير ذلك ..!! وقد أشرت إلى ذلك في كتابي في نقد اتفاقية سيداو في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية.. ومما قاله الصادق المهدي في كتابه «جدلية الأصل والعصر» في التشكيك العام في الأحاديث النبوية: «وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في غير السنن العملية أغلبها ليست قطعية الورود وفي دلالتها أقوال، وكتب الأحاديث الصحيحة «الصحاح الستة» ليست مبوبة حسب التسلسل الزمني. ولا توجد روايات قطعية في نسبة النطق بها لزمن نزول آيات القرآن..» وبمثل هذا التشكيك العام في السنة النبوية تكلم الترابي الذي قسّم رواة الحديث إلى راوِ يمكن أن يكون لديه مصلحة في الحديث فتُعمَل روايته ضعيفة وراو ليس كذلك واعترض على ضوابط علماء الحديث والجرح والتعديل في قبول الأحاديث وردّها وخصّ بالاعتراض الإمام البخاري. كما صرّح بوضع الأحاديث النبوية حتى إن كانت متواترة على ميزان «عقله» فما قبله منها قبل وما رده منها رُدَّ!!. ولتسليط مزيد من الضوء من موقف الرجلين من السنة النبوية فإن الترابي كرّر أنه ليس سنياً وليس شيعياً!! فنفى عن نفسه الانتساب للطائفتين، وبذات المعنى نقرأ في كتاب الصادق «جدلية الأصل والعصر» قوله: «أما على الصعيد النظري فقد نشأت نظريات حول الدولة الإسلامية أهمها نظريتان النظرية السنية: هذه النظرية حددت معالم الدولة الإسلامية قياساً على تجربة عهد الخلفاء الراشدين. نظرية فصلها على اختلاف في التفاصيل الإمام الشافعي في كتابه «الأم»، وابن قتيبة في كتابه «الإمامة والسياسة»، والماوردي في كتـابـه «الأحـكام السلطانية». الخليفة الذي يقود هذه الدولة هو خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا…» ثم تكلم عن النظرية الثانية وهي النظرية «الشيعية» ثم حكم وقال: «هاتان النظريتان السنية والشيعية لا تصلحان أساساً لدولةٍ عصرية».. وهكذا ينفي موافقة النظرة السنية للحق ويجعلها في مقام واحد مع النظرة الشيعية الرافضية!!! ومعلوم أن الفكر الرافضي قائم على أصول غير الأصول السنية فهو يقوم على تكفير الصحابة نقلة السنة ومنهم زوجات النبي عليه الصلاة والسلام، فلا يعترف بمصادر أهل السنة ويناقض أصولهم ويكفر رموزهم.. مما هو بات معلوماً للعوام قبل المتعلمين. والترابي والصادق يقدمان العقول على الثابت في السنة النبوية، فالترابي أنكر حديث الذبابة وأنكر نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان وغير ذلك بل قال بصريح العبارة: «أنا لا أناقش الحديث من حيث سنده، وإنما أراه يتعارض مع العقل، ويُقدم العقل على النقل عند التعارض»، ولا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح لكنه الهوى، وفي تسجيل فيديو منتشر هذه الأيام كما ينتشر غيره عبر برنامج «الواتساب»!! إنكار الترابي لجملة من الأخبار الغيبية مثل عذاب القبر وغيرها مما ثبت في النصوص النبوية الصحيحة وبعضها ورد في القرآن الكريم كذلك، وأما الصادق المهدي فيرد بعض الأحكام الشرعية بدعاوى «ملفقة» كإدعاء موافقة مقاصد الشريعة أو متطلبات العصر، وتحت هذه الدعوات تجرأ للدعوة إلى مراجعة أحكام الزكاة والمواريث وغيرهما، فقال في كتابه «جدلية الأصل والعصر»: «وهنالك حاجة لمراجعة النصاب ونسبة الزكاة منه»!! وقال: «الأحكام الإسلامية كالربا، والزكاة وغيرهما لا يمكن نقلها بأشكالها القديمة ولا يمكن تطبيقها بصورة تناقض مقاصد الشريعة فهي بحاجة لاجتهاد جديد يحقق تطبيقها وفق ظروف العصر ومقاصد الشريعة». وضرب مثالاً بأحكام الميراث التي ثبتت في الكتاب والسنة وأجمع عليها المسلمون فقال: «هنالك ظروف جـدّت على بعض المجتمعات تعاظم فيها دور المرأة الإنفاقي، وفي السودان اليوم نسبة معتبرة من الأسر تقع فيها مسؤولية الإنفاق على المرأة لأسباب مثل نسبة الطلاق العالية وتخلي كثير من الآباء عن الإنفاق على أولادهم هجرة عدد كبير من الرجال خارج البلاد ورفع يدهم عن أسرهم إهمالاً لمسؤولياتهم، حصول النساء على مصادر دخل عن طريق العمل الخاص أو الوظيفة مع عطالة أزواجهن عن العمل الخاص والوظيفة. هذه الظروف جعلت إنفاق النساء على الأسرة تبلغ نسبة معتبرة. فماذا يكون أثر ذلك على نصيبهن من الورثة؟ ربما أمكن استيعاب هذه الحقائق الجديدة عن طريق إعطاء نصيب لهن من الثلث الذي فوض للمورث تحديده. ولكن مع اتساع أعداد الأسر التي تعولها نساء، لا يمكن تطبيق أحكام الوراثة بصورة لا تراعي مقاصد الشريعة وتأخذ المستجدات في الحسبان. هكذا ينبغي أن تراجع أشكال الأحكام الإسلامية ذات المضمون الاقتصادي لتأخذ المستجدات في الحسبان ولكي تحقق مقاصد الشريعة في ظروف العصر الحديث». إنها دعوة صريحة إلى تغيير الأحكام الشرعية الثابتة وإبدالها بما تزينه عقول هذين الرجليْن!! يريدان تغيير الأحكام وإبدالها بدعوى متطلبات العصر أو موافقة العقل مع رمي للمتمسكين بالسنة النبوية بسيء الألقاب للتنفير منهم ولسلامة مآربهم!! فالصادق يسميهم بــ «الانكفائيين»!! وأما الترابي فيلقبهم بأهل الاجترار والمدققين في الأنابيش!! وذلك في أوصاف عديدة في كتابه «تجديد الفكر الإسلامي».. ولك أن تعجب أن الزعيميْن لم يفلحا في إدارة أعمال سياسية مقبولة!!! بل لم يحظيا بموافقة أتباعهما وتلاميذهما فضلاً عن غيرهم!! فما بالهما يتجاسران على ثوابت الدين ومعالم وأصول الشريعة الخاتمة؟!!
قال الشاطبي المالكي ـ رحمه الله تعالى: «لا ينبغي للعقل أن يتقدم بين يدي الشرع فإنه من التقدم بين يدي الله ورسوله، وهذا هو مذهب الصحابة وعليه دأبوا وإليه اتخذوا طريقاً إلى الجنة فوصلوا» ويقول الإمام الطحاوي الحنفي ـ رحمه الله ـ في عقيدته، وهي المعروفة بـ«العقيدة الطحاوية»: «ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام فمن رام علم من حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة وصحيح الإيمان، فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوساً تائهاً شاكاً لا مؤمناً مصدقاً، ولا جاحداً مكذباً». ويقول العلامة ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في «مختصر الصواعق»: «إذا تعارض النقل وهذه العقول أُخذ بالنقل الصحيح ورُمي بهذه العقول تحت الأقدام وحطت حيث حطها الله وأصحابها». ويقول ابن القيم أيضاً: «وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل وما استحكم هذا الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه وفي أمة إلا فسد أمرها أتم فساد فلا له إلا الله كم نفي بهذه الآراء من حق وأثبت لها من باطل وأميت بها من هدى وأحيي بها من ضلالة وكم هدم بها من معقل الإيمان وعمر بها من دين الشيطان».
إن الموقف الشرعي من المعادين للسنة النبوية يجب أن يكون على ضوء القاعدة الشرعية في الولاء والبراء، والتي هي ثمرة العقيدة، فإن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله..
وأواصل في الحلقة التالية إن شاء الله .
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]
[SIZE=4][HIGHLIGHT=undefined]جزاك الله خيراً[/HIGHLIGHT][/SIZE]
جزاك الله خيرا
اذا تعدى الرجل الخمسين ولم يتوب وينيب الى الله ويترك الاشياء التى تغضب الله تبارك وتعالى ويتسابق الى فعل الطاعات فاقنع منه تماما … فمابالك بالصادق والترابي قد تخطوا الثمانين من عمرهم ولازالوا في ضلالهم القديم فماذا تنتظر منهم ..
ولكن نقول الحمد لله الذي عافانا من ماابتلاهم به وفضلنا على كثيراً ممن خلق تفضيلاً …
ونسأل الله لنا ولهم الهداية وحسن الخاتمه ..
جزاك الله خيراً