رأي ومقالات

فكري ابو القاسم : حسين خوجلي.. وتفكيك المأزق!!

[JUSTIFY]أتابع محاضرات الأستاذ حسين خوجلي الفضائية بطريقة لصيقة، حتى أصبحت هذه المواظبة على حساب المحطات الخارجية التي كنا نهرب إليها.. وهذه محمدة.. نريد شيئاًًَ سودانياًَ بأي ثمن!! ولا نشترط سوى أن يكون قابل للبلع!!ولكن مصدر الاهتمام بهذا العمود الهوائي بالنسبة لي ملتبس؛ فلا أستطيع بوضوح تام أن أحدد دوافع هذا الاهتمام . كثيرًا ما سألت نفسي: هل سنعود مرة ثانية لنصفق لحسين خوجلي كما كنا نفعل في منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات:كنا(نستمع) إليه وهو يبشر بالمشروع الإسلامي السياسي. مع مجموعة شباب جريدة الراية. كان الأستاذ خوجلي قادرًا على دغدغة مشاعرنا بقراءة جديدة لتاريخ السودان الذي كان قد توقف عند الثورة المهدية!! في المحصلة استطاعوا بشيء من الغرور أن يبدلوا(الفسيخ شربات).. وصدقناهم بأعتبارهم أصحاب مستقبل واعد أما سواهم مجرد «مثقفاتية» لا يقدمون ولا يؤخرون !

الآن والأستاذ نفسه لا يخفي أنه يجلس فوق أنقاض هذا الحلم السياسي، هل يمكن أن يتفاعل جيلنا مع أي قناع جديد يلبسه خوجلي وأقرانه؟!!

مرة يبكي علي قبر التعايشي، وأخرى يحلم بحزب السودانيين وحكومة الحواري. هل هذا فكر سياسي جديد للأستاذ العائد من الفشل«الإنقاذي» يقوم على إعادة استثمار(العفوية) السودانية؟

ألم تكن هذه (العفوية) السودانية هي سبب الكوارث السياسية؟ والأستاذ نفسه وهو ينعي الأستبداد يقول في موقع آخر (كما تكونوا يولى عليكم).. معلوم طبقاًَ لهذه الرؤية أن الحاكم المستبد افراز للثقافة السائدة في المجتمع.. أي أنه يدخل من باب
«ودالبلد»الساذج أو الأب المستبد أو الشيخ الفاسد أو الشعب الأخرس ..المطالبة بحكومة الحواري ليست جديدة، ولكن هل يستطيع خوجلي أن يدفع الثمن؟ هناك في الفكر العالمي من يطالبون بأممية جديده، يغلب عليها الطابع الشعبي الديمقراطي لاتكون خاضعة لحكومة مركزية ولكن هناك يشترطون تحالفات مع قوى من بينها قوى غير متصالحة مع أهل العقائد السياسية والدينية، أو أن الفقه الاسلامي السائد الذي أنتج فكر السيد خوجلي لا يقبل التكيّف مع هؤلاء، هل يملك الاستاذ اجراء رؤية نقدية جريئة لفقهه الديني السياسي لا ليتجدد فحسب، بل ليقبل الرأي الآخر؟!! هل نستمع إليه وهو ينادي بمركزية ثقافية تقوم على قطع الأقدام لتأتي على مقاس العنقريب. يتمنى لو يصحو يوماً ولا يجد قبلية ولا«رطانة» في السودان. بضربة لازب يريد أن يشطب الثقافات الطرفية التي شكلت «العربية السودانية» لأنها كانت موجودة قبل أن يولد «يعرب بن قحطان» نفسه في الجزيرة العربية!! وما ذاك إلا لأن الفكر الديني«الانقاذي» فشل في فهم التنوع، ومن ثم التعامل معه.بمصطلح «رطانة» يريدون أن يسفهوا الثقافات المؤسسة للسودان الحديث باعتبارها ثقافات منتجة للغات غير مفهومة كلغة الطير والإبل، ونخشى أن يكون البديل هو لغة الهمباتة في أرض البطانة!! الأستاذ حسين فنان ضل طريقه للسياسة ولولا استثماراته الاعلامية لأضفنا أنه أيضاً ضل طريقه للتجارة! أتابع هذا البرنامج لمجرد المتعة الفنية، والمتعة في البرنامج مصدرها: لغته المليئة بالكبسولات الطريفة! واسلوبه في القفز السلس بين العناويين المختلفة: من نقد سياسي الى مواعظ واحياناً دموع، وفوق هذا وذاك معالجته للقضايا المسكوت عنها أو ملامساته للمناطق المحرمة للفساد، وهو أمر تستهويه الجماهير!! وهو يدرك جيدًا عملية استثمار هذه النزعة!! إذن الأستاذ خوجلي لا يملك شيئاً يقوله في الفكر السياسي بحكم تاريخه..! وليس محايدًا سياسياً ليكون قائد محبوباً ولكن الثابت أنه مفيد فنياً ومفيد سياسياً اذا ظل في خانة المعارضة دون أن يتعدي الميس الى غيرها!هكذا أهل (العقائد): أهل ثورة ومعارضة وليسو أهل بناء مؤسسات سياسية ناجحة. وهذا هو سبب فشل (الحركة الإسلامية) في القديم والحديث.من السهل أن يقود (العقائدي) ثورة ومعارضة!! ولكن من الصعب أن تنجح (العقيدة) السياسية دون ثقافة. خلاصة هذا الكلام أن ثوار«الإنقاذ» أعادوا إنتاج فشل ثوار المهدية، كانوا عقائديين وليسوا رجال دولة!!القصة واحدة وهي: أن الاندفاع الوجداني عندما يصطدم بالعقبات المحلية والمعوقات الخارجية تحتقن لتنقلب استبدادًا، لأن العقيدة ضيقة الصدر إذا غاب عنها الخيال!! بكاء الأستاذ خوجلي على قبر التعايشي ليس سببه الحقيقي سقوط حلمه السياسي!! بل لفشله في خوض رؤية نقدية واضحة لفكره السياسي الديني.

تلك القطرات من الدموع ربما زادته وسامة أو فتحت له مدخلاًََََََََََ إلي قلوب الجماهير، ولكنها دليل على أن فترة المخاض ستطول!!وربما نجاح استثماراته الإعلامية مع الحرية القادمة واتساع الأضواء حوله سيدفعه الي مراجعة صريحة لفكره السياسي.نقول ذلك لأننا نلحظ إرهاصات التغيير في لغته، مثل:أن يعترف علناً انه لا يملك شجاعة خريتشوف الروسي الذي فضح استبداد رئيسه ستالين! أو أن يعلن حياده بين الأحزاب أو أن ينصح الحكومة الجديدة ببرقماتية صريحة في العلاقات الخارجية، حتى ولو جاءت على حساب الثوابت القديمة. ينصح الوزراء الجدد أن يعطوا أعداء الأمس من الأمريكيين وحلفائهم مايريدون حتى ولو أدى ذلك إلى قطيعة مع الايرانيين !! وكاد أن ينصحهم بالتصالح مع اسرائيل اذا كان ذلك مع مصالحهم، فالأمريكان وانصارهم في المنطقة العربية لا يطلبون سوى هذا!!

هذه الدول متحالفة مع قوى عالمية تتخذ (ألإسلام) كبديل ايدلوجي لمفهوم العدو، و(الإسلام السياسي) يطرحه بديلاً حضارياً. هذه الواقعية المرة التي ينادي بها الأستاذ خوجلي ثمنها ببساطة أن يتنازل عن المشروع الحضاري.. هل حسين خوجلي يوصي بهذا؟!! هذا التداخل المعقد بين النزعة الفنية والانتماء السياسي ومتطلبات الأسواق، يساعد الأستاذ خوجلي عندما يتصدى للنقد السياسي و أحياناً النقد الفني، وهو أيضاً سبب الكرزما الإعلامية.من يتابع محاضراته الإعلامية لا يعرف بالضبط هل هو أمام: حزبي يبكي فوق أنقاض حلمه السياسي؟ أم هو فنان يجتر مرارة النزف جراء الفشل الخالد؟ أم هو مجرد مستثمر يروج لآلاته الإعلامية من خلال أثاره مشاعر الجماهير بالمسكوت عنه؟ في الذكاء الشخصي وثراء التجربة المقتبسة من حياة الأسواق والمدينة لا تلحق له غبار، لهذا- يعطي إيحاءات متنقلة يستطيع بها أن يتلاعب بوجدان المتلقي.. وربما لا يملك أن يعطي رؤية ثاقبة للحلول ولكن يثري الخيال، وهنا مكمن قوته ـ في مصلحة الجميع أن تتوسع منابر هذا الإعلامي لتعرية الفساد، ولكن في سياق تجربة ديمقراطية حقيقية تضبط أطروحاته. ومن حسن الحظ زمن (شيك على بياض) قد ولى فلم يعد مسموحاً تقديس الأفكار ولا الأشخاص ولن يجدي الإرهاب الفكري . نتطلع لخوجلي (جديد) فكرياً بإمكاناته القديمة، وهذا هو النموذج الوحيد الذي نتمنى أن يعاد للخدمة بعد (الصنفرة) من أبناء(الحركة الإسلامية)، والسبب لأنه هو الوحيد الذي يتحدث الآن بعد أن هرب الجميع!! وهو وحده يحمل إمكانية التجدد بنقد ذاتي لا مفر منه كشرط للتجديد .. ولكن هل سينجح في تفكيك المأزق التاريخي الذي يكبله ؟!!

صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. يطل علينا في التاسعه من كل يوم عدا يوم الجمعه الاستاذ حسين خوجلي ينقر علي اوتار حساسه في حياتنا السياسيه ويذكرنا باشياء طويناها وليس منها فائده وهاهو من جديد ياتينا بطلته البهيه مسليا لنا ولكن ليس هنالك عشم في تغيير الحال نبكي علي الماضي حين نتزكر كيف كان يعيش الناس زمان وما ال اليه الحال نتحسر علي كلام حكامنا الانشائي المسيخ الذي ليس له طعم ولا لون .

  2. من قال لك ان العقيدة لا تقود؟
    لا قيادة سياسية بلا فكر وقوة للتنفيذ ولا فكر بلا عقيدة يقوم عليها
    الاخ خوجلى طرح السلبيات والاخطاء ولكنه حجم عن قول طرق الحلول
    ثم من قال ان الاسلام فيه تجزئه ليكون منها الاسلام السياسى وغير السياسى؟