جعفر عباس

ألفاظك حصانك


[JUSTIFY]
ألفاظك حصانك

يحيرني كثيرا تفشي عادات اجتماعية ذميمة بيننا من دون أن تكون محل بحث وتحليل من قبل الاجتماعيين والتربويين ورجال الدين، ومن بين تلك العادات ميلنا إلى استخدام ألفاظ غير لائقة في التخاطب مع عيالنا في البيوت أو مع التلاميذ في حجرات الدراسة، وقل ان تجد بيتا عربيا لا تتردد فيه عبارات وكلمات مثل: يا غبي.. حمار.. أبله.. كلبة..عبيط.. حيوان.. جزمة .. متخلف.. وتتردد تلك الألفاظ على لسان المدرسين تعقيبا على سلوك أو أداء التلاميذ، مضافا إليها ألفاظ «تربوية» مثل: قليل الأدب.. تور الله في برسيمه.. قليل الحياء.. ملعون.. هذا طبعا إذا لم يتم نسب التلميذ إلى سلالات حيوانية تمارس النباح او النهيق «يا ابن الـ…….»، أما الدعاء على العيال من قبل الوالدين فتقشعر له الأبدان، لأنه قد يكون من نوع «شيل كتبك.. شلل يشلك»، «أمشي الدكان.. تمشي بطنك»، وهذا «دعا» سوداني بحت و«مشي البطن» هو تسيب الأمعاء الذي هو الإسهال.
المصيبة أن كلمات السباب تلك تعتبر «مهذبة» لأنها تصدر من رجال ونساء حريصين على تنبيه الأبناء والبنات إلى الأخطاء والعيوب، ولكنها في واقع الأمر معالجة لخطأ بخطأ أفدح، مهما كان التبرير بأن حالات الانفعال تنتج عنها مفردات من العيار الثقيل: ابن الـ.. معفن .. وسخ.
اما ألفاظ الشجار فلا مجال لإيرادها هنا لأنه الكمبيوتر الذي أكتب عليه الآن سيتعرض لـ«كراش» أي انهيار بسبب الطبيعة الفيروسية لتلك الألفاظ.. وفي السودان عمد أهلنا إلى التخفيف من وقع بعض تلك الكلمات الجارحة بتفريغها من معانيها السيئة، فكلمة «تافه» تقال في معظم الأحوال في معرض المديح المخلوط بالاستهجان الخفيف.. أي انها تقال في حق من يبدي ملاحظة ذكية «خبيثة» يتحرج الآخرون من قولها، وقد يلتقي سوداني بصديق يحبه بعد طول انقطاع ويصيح فيه: وينك يا تافه؟ .. و«ابن كلب» تعني في كثير من الأحيان شدة الذكاء والدهاء والمكر، وتسمع من يقول مثلا: فلان دا ابن كلب ما تخاف عليه، وهو يقصد بذلك أن فلانا ذاك ملحلح ومكحل بالشطة و«ما ينضحك عليه» .. و «أبو الزفت» في العامية السودانية تقال تعبيرا عن الإعجاب .. فإذا أحرز لاعب فريقك المفضل هدفا جميلا تصيح مبتسما: أبو الزفت.. ويطرب اللاعب عند سماع ذلك التعليق… وحتى إذا أعلن مسؤول حكومي رفيع خلال مؤتمر صحفي عن قرار يشرح الصدر (وهو أمر نادر الحدوث)، فقد يصرخ أكثر من واحد: أبو الزفت، تعبيرا عن استحسانه للقرار.
والكثير من الشعوب العربية الأخرى تعاني من تفشي ألفاظ سباب تمس العرض والشرف من دون أن يثير ترديدها حتى مجرد الدهشة، بل وان عبارات شديدة التجريح وتتصل بالعورات تقال عند الغضب البسيط أو تعبيرا عن استنكار لموقف أو سلوك، وللمرة الـ58764 أستعيد حكاية جاري اللبناني الشهم في أبوظبي.. كان صاحب مروءة، وكريما بماله ووقته، وذات ليلة ليلاء استوجبت حالة زوجتي الصحية نقلها إلى قسم الطوارئ في المستشفى، ولم تكن عندي سيارة، فاستنجدت بجاري فأخذني وزوجتي وزوجته في سيارته وانطلق بنا الى المستشفى، وكلما تضايق من سيارة أخرى، أو لأن إشارة المرور صارت حمراء، انطلقت من فمه شتائم، تجعل إشارة المرور الخضراء تنقلب الى حمراء خجلا، ولو أوردت مثالا واحدا منها في هذه الزاوية لخرجت مظاهرات في عدد من العواصم تضعني في نفس مرتبة ذلك التافه الذي أنتج فيلما تافها بقصد النيل من مكانة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.. وفي المستشفى نصح الطبيب زوجتي بمقابلة استشاري في اليوم التالي فقال جاري اللبناني الشهم: خلاص باكر نجي سوا.. طبعا زغت منه.. ولما استنكر عدم استعانتي بسيارته مجددا حدثته عن ألفاظه، فاندهش لأنه كان يعتبر أنه «عادي.. ما فيها شي»!
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. الاستاد/ الفاضل جعفر ما ىسطرة قلمك من ابداع هو المخفف علينا الام الغربة وبمناسبة الدعاء على الابناء هى ظاهرة سودانية يجب التوقف عندها ومعالجتها لانها قد تصادف ساعة استجابة ويكون الضحية الابن مثال على دلك احد الابناء الصغار طلب من امه ان تعطيه رىال والح فى الطلب فقالت له امه تسيل ريالتك دم وماهى الادقائق عاد بعدها الابن والدم يغطى وجهة وراسه اثر حادث حركة