تحقيقات وتقارير

تضارب نتائج المعامل.. الإيهام بالتهاب الكبد الوبائي

[JUSTIFY]بضعة مئات من الجنيهات يدفعها طالب العلاج للتشخيص ربما تقود صاحبها إلى حالة “التوهان” والتوهم والإعياء النفسي أن لم يتسبب التشخيص الخاطئ في صرف علاج بالخطأ يسبب العاهات المستديمة أو يودي بحياة المريض ويلقى به على وجه السرعة في حياة البرزخ؛ تبيان نتائج الفحوصات قلق جديد يسيطر على الشارع السوداني ويجعل المترددين على المشافي لطلب العلاج تتثاقل خطاهم ويترددون ألف مرة خوفاً من تشخيص علة لا علاج لها على وجه غير صحيح في معمل لمؤسسة علاجية ما، مع وجود نتيجة مختلفة تماماً لنفس العينة الخاصة للتشخيص في معمل آخر وبيد فني آخر.

(اليوم التالي) وضعت تباين نتائج الفحوصات في المستشفيات والمراكز العلاجية المختلفة تحت مختبر الاستقصاء عبر هذا المساحة الجريئة.

الشهر الجاري تنفست أسرة فتاة شابة الصعداء بعد ما دفعت لـ(اليوم التالي) تفاصيل ليالي ونهارات عاشتها الأسرة على لهيب الترقب والانتظار والدهشة والخوف معاً.

وفي مركز علاجي شهير بود مدني كانت الفتاة وشقيقها المراقب يمنيان نفسيهما بانتهاء مقابلة الطبيب، وأخذ ما يقرره الطبيب من علاج وعقاقير على ضوء ما يقدمه من وصفة طبية تلي المقابلة.

وبعيد المقابلة طلب الطبيب المعالج من الفتاة وشقيقها إجراء فحوصات معملية، وعلى الفور نفذا طلبه، المفاجأة التي أحالت يوم الشقيقين -المريضة وأخيها إلى نهار أسود كالح الحزن؛ هي نتيجة المختبر الخاص بالمركز، وحملت نتيجة الفصح إصابتها بداء التهاب الكبدي الوبائي HCV(positive) (حسب نتيجة المعمل).

شقيق الفتاة صور لـ(اليوم التالي) أصعب يوم في حياته، وأحلك لحظات عاشها حين سلمه الدكتور تقرير المعمل وقبل أن يشرح له فحوي(الريبورت)، استطاع فك شفرة التحليل سميا وأنه خريج كلية علمية، غير أنه توقف لبرهة وتعامل بحكمة قبل أن يخبر شقيقته وأكد (اليوم التالي): “احتفظت بنتيجة التحليل عندي ولم أخبرها بحقيقة أن نتيجة الفحص هي إصابة بفايروس الكبد اللعين.. تمالكت نفسي وتظاهرت بأن الأمر طبيعي حتى لا تفهم أختي الكارث”.. على هذا المنوال أضمر مرافقها وشقيقها في نفسه أن لا يسلم بالنتيجة وأن يذهب إلى معمل آخر ربما يكون تحليل ود مدني غير صحيح.

على هذه الفرضية، مضى محدثنا مع شقيقته صوب مشفى آخر وهذه المرة بعد أن انطلقا إلى الخرطوم؛ بعد أن أقنعها بالذهاب إلى طبيب آخر دون أن يخبرها بفحوى النتائج حتى لا تنهار روحها المعنوية من جراء المفاجأة غير المتوقعة.

وفي الخرطوم ولدى معمل مشهور وسط العاصمة خضعت الفتاة لمقابلات وفحوصات وفي كل هذه الخطوات لم تكن المسكينة تدري حقيقة نتيجة الفحص السابق بود مدنى، وفي الخرطوم حملت فحوصات المعمل الشهير أن لا إصابة للفتاة بفايروس الكبد الوبائي بتقرير طبي مختوم وممهور بإمضاء مسؤول المعمل مدون عليه (HCV(Negative.

وبعد إخبار الفتاة بالحكاية ما كان منها إلا أن دخلت في نوبة بكاء حادة إلا أن أسرتها هدأت من روعها وطلبت منها أن تحمد الله الذي أنقذها بعد أن الهم أسرتها إعادة الفحص وإلا كانت قد دخلت في حالة نفسية سيئة لمجرد معرفة أنها مريضة بالكبد الوبائي الذي يصعب علاجه.

النموذج أعلاه يحكى واحدة من بشاعات ومرارات تباين نتائج المعامل في السودان التي تؤدي تبعاتها إلى علاج خاطئ يتضرر معه صاحبه بجانب تبعاته النفسية والمعنوية، هذا إن لم يعجل بضحيته إلى المقابر في عداد الموتى.

معايرة وطريقة سوقية

مشكل تباين نتائج الفحوصات مؤرق ومؤلم؛ طرحت القضية على مختص وخبير يحمل صفة وكيل وزارة الصحة الاتحادي الأسبق دكتور كمال عبد القادر الذي شخص المشكل في حديثه لـ(اليوم التالي) بكون المعامل في كثير من المشافي والمراكز الصحية تتضمن أجهزة لتحضير العينات وفحصها، كل الأجهزة الموجودة في المعامل في حاجة إلى إعادة (معايرة) ويشرح كمال المعايرة بالقول: “تقييم فني دقيق لأجهزة المعامل وملاءمتها للغرض المستخدمة لأجله، ويدخل في المعايرة: استيرادها، منشأها، نوعيتها، طريقة عملها وعمرها الافتراضي، بجانب شق التشغيل وتمكن الكادر من استخدامها بالطريقة المثلى”.

ويؤكد دكتور كمال أن أي اختلال في قراءة المعايرة سيؤدي حتماً إلى نتيجة متضاربة وغير حقيقية في الفحوصات الطبية المعملية، ونبه إلى وجود طرق غير علمية في التعامل مع محاليل المعامل، كما أن هناك أجهزة مستوردة مجهولة المنشأ فضلاً عن استيراد المحاليل بطريقة سوقية بحتة لا تراعي الشروط الفنية المطلوبة من حيث التخزين والنقل ويمكن أن يستوردها تاجر شنطة في مخالفة صريحة للعمل الطبي والصيدلي في البلاد.

ضعف الكوادر

أما مدير معمل مستوصف الشفاء الدكتور صلاح بابكر فيرى أن تباين النتائج في المعامل لا يخرج من أحد العوامل الثلاثة: “الكادر الذي يدير أجهزة التحليل والأصباغ والمحاليل وأجهزة التحليل”، إذ أن أغلب كوادر التحليل العاملة في المستشفيات العامة والخاصة تعمل غير متعاقدة بـ(نظام التعاون)، وهو ما يقلل من الكفاءة، نتيجة لقلة المردود المادي، بجانب نقصان الجرعات التدريبية العملية لتلك الكوادر في الجامعات. أما الأصباغ والمحاليل فإن كثيراً من الشركات المصنعة تستعين بفنيين لا علاقة لهم بموضوع صناعة المحاليل والأصباغ، مما يقلل من دقة وضبط المحلول في النتائج المستخرجة. ويحكم صلاح على الأجهزة التي تستخدم في كثير من دور العلاج “بالمتقادمة وغير مطابقة للمواصفات والمقاييس التي كان من المفترض أن تتقيد تلك الدور بها”، كما أن الإلمام بجوانب فنية في الأجهزة يقوي من ضبط نتائجها، فتزويد المعمل ببطارية طاقة احتياطية تقيها من تذبذب أو انقطاع التيار الكهربائي أثناء عملها، لأن بعض الأجهزة تقل كفاءتها بفعل هذين الأمرين.

تسرب كواشف محاليل أقل جودة..

وحول دور الجهات الرقابية على المعامل ومدى مطابقة المعامل والكوادر للمواصفات المطلوبة في مقابلة سابقة التقيت مدير إدارة المعامل بوزارة الصحة الاتحادية د. النجيب سليمان سعيد، الذي تطرق في حديثه لفتح الباب من قبل الدولة لاستجلاب الأجهزة والكواشف من دول مختلفة كـ(أوروبا وأمريكا ودول آسيوية وغيرها)، وتختلف الجودة بطبيعية الحال من دولة إلى أخرى ومن شركة إلى أخرى، وتأسف النجيب من إقدام بعض مستشفيات ومراكز القطاع الخاص على استيراد كواشف محاليل وأجهزة أقل جودة، بهدف تقليل التكلفة ولضمان إقبال أكبر عدد من طالبي الفحوصات، متجاهلين ضرورة الجودة وتقديمها على الربح الحاصل من خفض قيمة شراء الأجهزة والكواشف.

ويسند القانون في البلاد إلى المجلس القومي للأدوية والسموم القيام بعمل الرقابة على دخول الأجهزة الطبية والمحاليل الكاشفة، غير أن الدكتور النجيب كشف عن وجود مساعٍ بين إدارة المعامل الاتحادية والمجلس القومي للأدوية والسموم للتنسيق بشأن الرقابة والاستفادة من كوادر إدارة المعامل المؤهلة والمدربة، لإحكام الرقابة على الاستيراد وتفتيش المخازن التي تحوي المحاليل المختلفة. والتأكد من مطابقتها للمواصفات المطلوبة خاصة وأن جو السودان متقلب وترتفع فيه درجات الحرارة إلى أعلى مستوياتها.

مخالفات الولايات

ويبين مدير إدارة المعامل بوزارة الصحة أن رقابة المعامل الطبية في السودان والعمل فيها يقع تحت إشراف وزارة الصحة الاتحادية التي أنشأت لكل ولاية إدارة معامل مهامها مراقبة تلك المعامل ومنحها التراخيص بعد التأكد من استيفائها الشروط المطلوبة، منبهاً لأن بعض الولايات لا تفي بالمعايير المطلوبة، الأمر الذي يحدث خللاً في عمل معاملها، عازياً عدم الإيفاء بالمتطلبات الخاصة بجودة المعمل إلى ضعف الإمكانيات في الولايات.

ضغوط على المراكز والمشافي

وقال النجيب: زيادة المستشفيات الخاصة جعلنا أمام تحدٍ لإحكام الرقابة، خاصة وأن بعضها يعتمد على كثرة الرواد من طالبي الفحوصات، مما يعني كثرة الضغط في ساعات العمل على الأجهزة العاملة، مما يخلق تأثيراً على نتائج الفحوصات، وأضاف: “المستشفيات الحكومية حدث تطور كبير في معاملها وضبط نتائجها بعكس الخاصة التي فيها تباين في النتائج بصورة واضحة”. واعترف مدير المعامل بوجود عمالة في مستشفيات الحكومة تعمل بنظام (التعاون) لعدم وجود وظائف كافية لاستيعابهم موظفين ثابتين وعدم توفير ميزانية لهم من قبل وزارة المالية لتوظيفهم رسمياً الأمر الذي يؤثر في كفاءة العمل بالمعامل مطالباً المستشفيات الحكومية بعدم تولية منسوبي الخدمة الوطنية مسؤوليات في المستشفيات حفاظاً على جودة عمل المعامل

حيدر عبد الحفيظ : صحيفة اليوم التالي [/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. لخطورة واهمية الامر – لا بد من تطبيق انظمة الجودة الشاملة في المجالات ذات الاهمية القصوى كالمجال الصحي – بدلا عن تطبيق انظمة الجوطة الشاملة الحالية