سوء تغذية.. عطالة وهجرة خارج الحدود.. أرقام ملغومة
البلاد التي تحاول الخروج من مطاردات المجتمع الدولي والمحلي في ما يتعلق بضرورة مكافحة الألغام الموروثة من الحروب الممتدة تجد نفسها ملغومة بمسارات الأرقام في مجالات متعددة وهو ما يتطلب تجاوزه في المقام الأول.
وبحسب أنباء الأيام الماضية فقد كشف ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) في السودان أن نصف أطفال إقليم دارفور خارج المدارس، وأن (40%) منهم يعانون من سوء التغذية المزمن، بجانب وفاة (300) امرأة في كل (100) ألف حالة ولادة، وأن (6) نساء ينجبن في مراكز صحية بين كل (100) حالة.
وقال ممثل اليونسيف في مؤتمر صحفي يوم الاثنين إن دراسة أعدتها منظمات الأمم المتحدة في السودان، أظهرت أن مليوناً و200 ألف من أطفال دارفور يفتقرون للخدمات الأساسية، وأن (65%) منهم تحت سن الرشد غالبيتهم يعيشون في معسكرات النزوح. وأشار إلى أن (40%) من الأطفال في محليات دارفور المختلفة مصابون بسوء التغذية.
الأرقام القادمة من دارفور تبدو في اتجاهات أخرى وكأنها (تمركزت) فواقع الناس في الخرطوم العاصمة لا يبدو أفضل من واقع من لم يحالفهم الحظ للانتماء اليها أو الهروب للبقاء بين جنباتها المتمددة.. ولا تتوقف ألغام الأرقام في هذه المحطة ففي أواخر العام الماضي خرج ما يؤكد أن ثلث السودانيين مصابون بالضغط والسكري وهو ما دفع أحدهم للتعليق “هو الما بجيب الضغط شنو”؟
البحث عن الإجابة لاستفهام الرجل الخانق يضعك وجهاً لوجه أمام رقم آخر ورد أمس القريب في صحيفة (السوداني) وبلسان أمين الشباب في الحزب الحاكم حامد ممتاز الذي التقى برؤساء تحرير الصحف في مطعم فينسيا بالخرطوم قبل أن يرسل الرقم اللغم (46%) من الشباب السوداني عطالى و18% منهم عطالتهم سافرة.. الرقم هنا يمكنك أن تضيف له من تبقي منهم داخل البلاد، فقد شهدت الفترة الماضية أكبر معدلات الهجرة للسودانيين خارج الحدود بل إن المغادرة صارت هي الحلم الذي يغازله الجميع ولا يريدون سواه.
في ذات ملاحقة الأرقام التي لا تنتهي ألغامها تحمل الصحف أمس معلومات عن ارتفاع في معدلات الإصابة بسرطان الثدي في الولاية الشمالية وأن 50% من الإصابات تأتي من الشمالية وولايات دارفور، وأن نسبة الإصابة السرطان تبلغ حوالي 17%.
رقم آخر يبعث به مساعد رئيس الجمهورية العميد عبد الرحمن الصادق المهدي مسؤول ملف التفاوض مع الجنوب بحسب مبررات تعيينه قبل ما يزيد عن العام وهو يتحدث عن حوالي 12 ألف لاجئ جنوبي في السودان عقب اندلاع صراع القبلية في الدولة الجديدة هو الرقم الذي يعود بك قليلاً إلى مفقودات السودان عقب قرار انشطار ثلث المساحة وثلث السكان مع فقدان ما يزيد عن 85% من العائد الاقتصادي الداعم للموازنة العامة التي تفيدك أرقامها في مكان آخر حول معدل العجز الكلي بحسب ما تم تقديمه للبرلمان حيث بلغ عجز الموازنة العامة 12 مليار جنيه هذا مع زيادة حدة التضخم الذي تجاوز نسبة 40% وأرقام الاقتصاد واضحة للعيان سرعان ما تقودك لتلك الأرقام المختفية بالاختلاس أو التجنيب من المال العام التي يكشفها المراجع العام حيث كشف في تقريره الاخير عن اعتداء وزارة المالية على مبلغ (16) مليار جنيه التزامات على وزارة المالية بحسابات بنك السودان لم تظهر في الحسابات الختامية للمالية تجري ملاحقتها بحسب ما كشفت مراجعة ديوان المراجع العام وواصل المراجع في أرقامه أن صافي مبلغ جرائم المال العام غير المسترد في الأجهزة القومية خلال الفترة 2012/2013م، بلغ 3,7 ملايين جنيه، وأن نسبة الاسترداد حتى 28-10-2013م بلغت 39% تمثل مبلغ 2.4 مليون جنيه وقال إن نسبة الاسترداد الفعلي بلغت 26% والتي صدرت بشأنها أحكام 40%، وأمام المحاكم 13%، وقيد التحري 21%، من حجم جرائم الاعتداء على المال العام حسب إفادات وزارة العدل تلك الأرقام الملغومة لا يمكن فصلها عن الواقع العام في البلاد في جوانبه السياسية والاقتصادية دون أن تبعد الاجتماعية فالأحاديث المتداولة بين الناس تلحظ فيها حالة من الحسرة على ما يسمونه بحالة التردي الأخلاقي في السودان وارتفاع في معدلات جرائم الاغتصاب مقرونة بالارتفاع في نسبة الطلاق وتزائد معدلات تعاطي المخدرات في أوساط الشباب التي تعتبر مولودا شرعيا لحالة عدم الاستقرار السياسي وتفشي النزاعات وغياب عملية حسم التداول السلمي للسلطة والتباين في مواقف القوى السياسية في ما يتعلق بقضايا الوطن وإعلاء قيمته على القيم الأخرى ذات البعد المصلحي الشخصي أو الحزبي أو الجهوي.
يسائلك رقم آخر حول عدد من حصدتهم الألغام حين اشتعال الحروب عدد النازحين واللاجئين والمفقودين وعدد من قطعت أطرافهم نتيجة رصاصة سودانية في وجه سوداني آخر دون أن يأتي من يجيب على النتيجة الحتمية (يكفي إلى هذا الحد فالذي ضاع أكثر مما يمكن احتماله)
ترهقك في مكان آخر الأرقام التي يعكسها الآخرون عن السودان المتذيل لكافة الأرقام التي تمكنه مقدراته من احتلالها والمتقدم في مكان كان يجب أن يتأخر فيه.
في ظل ازدياد ما يمكن أن يقود نحو التشاؤم فإن ثمة أرقاما يمكن أخذها للبناء عليها في اتجاه رصف طرق المستقبل الوطني.. (بليون دولار) هي حجم التبادل التجاري بين السودان والهند.. تعاون يقودك إلى النظر حيث المتشابهات، فالدولتان تشاركتا الاستعمار البريطاني وساهمتا في غزل نسيج الملابس في مصنع لانكشير تاريخياً، كما أن حالة من التشابه في مسألة التعدد يمكن البناء عليها للعبور بالسودان في ذات سكة العبور الهندية نحو أن تكون أحد عظماء دول العالم باستقرارها الذي زاد من قدرتها الإنتاجية وهو أمر قد يضعك أمام سؤال تغيير الأرقام نفسه وكيفية العبور إليه.. الإجابة المنطقية تقول إن دعم التنمية يأتي بمزيد من التنمية وإنه لا يمكن أن ترتفع ماكينات المصانع ما لم تخفت أصوات المدافع، وهو ما يؤكد أن كل الطرق تعبر بنفق واحد هو نفق (التسوية) السياسية الشاملة المرضي عنها من الجميع والمتراضى عليها في الوقت ذاته
الزين عثمان : صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]
حسبنا الله ونعم الوكيل