تحقيقات وتقارير

الفريق عبد الرحيم والمشير السيسي.. أصداء زيارة مهمة

[JUSTIFY]قدر السودان السياسي وجغرافيته السياسية وضعاه في خضم جيرة إقليمية أفريقية عربية متجانسة حيناً ومتناقضة أحيانا كثيرة، لذلك اختط لنفسه من ركام تجارب لا تحصى ولا تعد دبلوماسية خالية من الكيد وترصد الأخطاء وانتقاء المصالح الخاصة.

ومن هذه الزاوية الإستراتيجية المهمة وحدها جاءت زيارة وزير الدفاع السوداني الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين إلى العاصمة المصرية القاهرة مؤخراً، والتقاء نظيره المصري المشير عبدالفتاح السيسي، إذ أنه وعلى كثرة التحليلات، والتأويلات التي نشطت فيها بصفة خاصة بعض المواقع الإسفيرية وبعض القنوات المصرية لتحميل الزيارة أقصى حمولة سياسية لها، فإن الزيارة وببساطة شديدة للغاية جاءت في ذات الإطار الأخوي النبيل المستند إلى دبلوماسية السودان المبدئية الشديدة الاهتمام بدول الجوار ولهذا فإن القراءة الصحيحة لهذه الزيارة تتخذ عدة مسارات مهمة، أولها أن الزائر هو وزير دفاع والمضيف هو الآخر وزير دفاع، فإذا علمنا أن وزارة الدفاع هنا في السودان تبنت نهجاً دفاعياً إقليمياً يحصر ويقلل بصورة واضحة من التحركات العسكرية والأنشطة المعادية السالبة في الإقليم كأمر طبيعي وعادي تهتم به أية دولة تطمح في تنظيف وتنقية حدودها من أية شوائب ضارة هنا أو هناك فإن الأمر يبدو منطقياً وواضحاً، إذ ليس سراً أن السودان أنجز أمناً حدودياً ممتازاً للغاية في الحدود المشتركة بينه وبين الجارة تشاد مضت عليه حتى الآن أكثر من أربعة أعوام استطاع هذا الأمن الحدودي أن يقضي تماماً على أية أنشطة مسلحة سالبة في المنطقة، بل صار مضرباً للمثل وأنموذجاً يحتذى وليس من المستبعد أن يأخذ به مجلس السلم والأمن الأفريقي لتعميمه على كل دول القارة التي أنهكتها هذه الأنشطة المسلحة السالبة كما لم تنهكها أية إشكالات أخرى قط، ذات هذا الأنموذج السوداني التشادي سعي السودان لإنفاذه أيضاً على حدوده مع الشقيقة ليبيا وهو الآن قيد النقاش والإعداد، وهو أيضاً ما كان يسعى ولا يزال لإنفاذه مع حدوده الجنوبية مع دولة جنوب السودان سواء في إطار اتفاقية التعاون المشترك المبرمة في 27 سبتمبر 2012 أو حتى في إطار التفاهم الطبيعي بين البلدين، إذن من الطبيعي جداً أن يكون ذات الأنموذج في ذهن القيادة السودانية وهي تتلقى دعوة وزير الدفاع المصري المشير عبد التفاح السيسي لزيارة وزير الدفاع إليها، فالمهم بالنسبة للسودان هنا وبصرف النظر عمن يحكم هنا أو هناك أن يتأسس أمن حدودي مشترك من شأنه أن يرفد الجانبين حاضراً ومستقبلاً باستقرار سياسي وأمني يؤسس دون شك لتعاون حقيقي وحسن جوار آمن لا غنى عنه بين أية دولتين، الأمر الثاني أن الزيارة في حد ذاتها وسواء أكانت بدعوة من القاهرة أو بمبادرة سودانية خالصة تعتبر خطوة ذات أبعاد إستراتيجية ترسخ انطباعاً مطلوباً لدى القيادة المصرية الحالية أن السودان بغض النظر عن أي شيء.. شديد الاهتمام بجاره الإستراتيجي الشمالي في السراء والضراء وهذه في الواقع هي النقطة الإستراتيجية الأكثر أهمية التي استطاع السودان أن يعبر عنها قولاً وفعلاً بمهارة ينبغي أن تثير الإعجاب، فالسودان ينظر إلى الجارة مصر من الجانب الإستراتيجي الأكبر والأكثر استدامة متجاوزاً الجمل الموسيقية الكلاسيكية التي تردد اللحن المشترك بين الحكومات، إذ أن الدول بداهة هي الأكثر استدامة من الحكومات ولعل من الضروري هنا أن تنتبه القاهرة غاية الإنتباه إلى هذه النقطة المهمة لأن القاهرة إن شئنا الدقة والوضوح ظلت تنظر إلى السودان منذ استقلاله بمنظار ينظر فقط إلى طبيعة النظام الحاكم فيه فإن صلح مع النظام الحاكم فيها صلح سائر مسار العلاقات بينهما وإذا فسد فسدت العلاقات الإستراتيجية.

الأمر الثالث الرسالة المهمة التي حرص الجانب السوداني على إبلاغها للجانب المصري أن المهم هو أمن المنطقة في المقام الأول وأن على مصر وهي في غمرة ما تعيشه ألا تنسى أن أعداء البلدين هم الذين يجب توجيه السهام إليهم، صحيح أن النزاع الداخلي في مصر أثار غباراً كثيفاً هنا وهناك ولكن المهم أن ينتبه القادة هناك لذات ما تنتبه إليه الخرطوم.. أن ذات الأعداء لا يزالون هناك وأنهم فقط يراقبون الأمور من نوافذهم البعيدة، وليس من المستبعد أن تكون بحوزتهم بنادق ذات مناظير مقربة، الأمر الرابع أن السودان يقدر لمصر الدولة أنها سارعت وفي خضم الأحداث للبحث عن «الدفء السياسي» في جوارها الإستراتيجي السودان، إذ أن أول زيارة خارجية لوزير الخارجية المصري «نبيل فهمي» كانت الى الخرطوم، وليس مهماً هنا فيم تباحث وماذا طلب وفيما تحدث، إذ يكفي إعطاء حق الجوار السياسي هنا حقه المطلوب سواء في توضيح الصورة، أو فيما سيكون عليه المستقبل، أو الإنصات إلى المحاذير والهواجس، وعلى الرغم من أن رد الزيارة بواسطة وزير الخارجية السوداني أمر تفرضه طبيعة البروتكول والمراسم وهو أمر من المنتظر أن يتم إلا أن الدفع بوزير الدفاع قبل وزير الخارجية فيه تأكيد واضح من الخرطوم للقاهرة لطبيعة أولويات الحاضر ومنطلق العلاقات الصحيح ومستقبل الأوضاع بين الجانبين.

وأخيراً فإن السودان استطاع أيضاً أن يقرأ عن كثب وعن قرب آراء ورؤى وأفكار القيادة المصرية المرتقبة، وهذه أمور في الواقع لم تتح لبقية دول الجوار الإقليمي القريبة أو البعيدة، إذ أن وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي على أية حال هو مشروع رئيس قادم لأهم دولة في المنطقة، ومن المهم جداً للسودان أن «يلمس» عن قرب وعن طريق »اللقاء المباشر» آفاق ورؤى الرئيس القادم لأن السودان وفي سياق دوره الإقليمي الذي لم يعد خافياً على أحد، من حقه أن يقرأ مبكراً جداً ولأغراض إستراتيجية بحتة، وعن قرب أفكار ورؤى القادم إلى قصر العروبة في المستقبل القريب وأن تبنى العلاقة كأفضل مما كانت عليه في السابق بحيث يكون السودان ملفاً قوياً حاضراً «بذاته» في كل التحركات والتوجهات المصرية، بمعنى أدق وأوضح فإن الخرطوم فيما يبدو أنزلت الصورة القديمة الكلاسيكية الموضوعة منذ عقود في القصر القاهري، ووضعت بدلاً عنها بعناية شديدة الصورة المطلوبة والحقيقية الصالحة لدفع علاقات البلدين المحاددة والمحاذية للكتفين جنباً إلى جنب.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]

تعليق واحد