رأي ومقالات

محمد سيد أحمد المطيب : أنموذج للحوار الوطني بين البوني والدرديري

[JUSTIFY]في المنتدى الدوري لمركز دراسات المستقبل بالخرطوم يوم الأربعاء قبل الماضي كان الموضوع المطروح للمناقشة حول المرحلة السياسية المقبلة على ضوء الدعوة للإصلاح التي أطلقها دون تفصيل الحزب الحاكم وحكومته في الخطاب الشهير الذي أدلى به رئيس الجمهورية ورئيس الحزب المشير عمر البشير في لقاء قاعة الصداقة الأخير والمثير للجدل. وعندما حصل الأستاذ الجامعي والمزارع المهني والكاتب الصحفي الكبير د. عبد اللطيف البوني على فرصة للإدلاء برأيه في ذلك المنتدى قال: إنني كنت أود الحديث عن الدوافع التي حدت بالحزب الحاكم لإطلاق هذه الدعوة المبهمة، والأهداف التي يسعى لتحقيقها عبر «الوثبة» و«المفاجأة» المزمعة، ولكن بعد الذي سمعته من القيادي في الحزب د. الدرديري محمد أحمد فلم يعد لدي ما أتحدث عنه، وطالما أن حزب المؤتمر الوطني يرى ــ كما ذكر الدرديري ــ أنه يدعو لما دعا له من منطلق شعوره بالقوة، وأنه في أفضل حالة على عكس ما يرى آخرون من المعارضين المناهضين له وغيرهم من المواطنين المكتوين بناره والمراقبين المحايدين على الصعيد الداخلي والمستوى الخارجي الإقليمي والدولي، فربما قد يكون من الأفضل والأمثل بالنسبة لهذا الحزب أن يمضي في المسيرة الحالية لتجربة حكمه وسيطرته وهيمنته المنفردة على مجمل الأوضاع في بلادنا.

وبالنظر إلى أن د. البوني لم يسترسل في التعبير عن رأيه كما فهمنا على النحو المشار إليه أعلاه، وما أشرنا له في تقرير سابق لنا نشرناه بهذه الصحيفة في يوم الخميس التالي لذلك المنتدى الذي شاركنا فيه استجابة لدعوة كريمة من مدير مركز المستقبل الأستاذ ربيع حسن أحمد، فقد عاد ـ أي د. البوني ـ للحديث عن هذا الموضوع يوم الإثنين الماضي في عموده اليومي المقروء «حاطب ليل»، حيث ذكر تحت عنوان: «لو عرف السبب يكون أحسن» استغربت لما قاله د. الدرديري محمد أحمد أمين العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر الوطني صباح الأربعاء الماضي بمركز دراسات المستقبل. وقد كنت أود ومثلي آخرون مناقشته لكنه خرج بمجرد أن قدم مداخلته.

وأضاف.. البوني: إن التعمق في رؤية دوافع المؤتمر الوطني للتغيير ليس ترفاً ذهنياً وأمراً أكاديمياً من قبيل التنظير والتجريد وإنما هو أمر عملي يؤثر تأثيراً كبيراً على الحوار الذي سيدور. فلو كان الحزب الحاكم يرى أنه بخير والبلاد بخيرين وأنه يريد أن يصطحب معه الآخرين من باب صحبة راكب أو فضل ظهر أو صدقة جارية يريد بها ثواب الآخرة، فإن هذا يختلف كثيراً عما إذا كان يرى أن البلاد تمحقت عليه وأن الشيلة أصبحت صعبة وأنه يريد من الآخرين أن يشيلوا معه.

وبناء على هذا وتحت عنوان تعقيب من د. الدرديري نشر د. البوني في عموده «حاطب ليل» يوم أمس الأول الأربعاء التعقيب الذي تلقاه من د. الدرديري، حيث ذكر الأخير أن ثلاثة دوافع رئيسة كانت وراء دعوة المؤتمر الوطني للحوار، ثم أوردها لمصلحة القارئ، وهي أولاً: أن انفصال الجنوب كشف أن السودان لا يزال حافلاً بتعدد ثر، وأنه إذا كان سبب فشل الدولة السودانية في إدارة التنوع والتعدد قبل الانفصال هو الاستقطاب الحاد بين الشمال والجنوب، فإن ذلك المبرر قد انتفى بذهاب الجنوب، ومن ثم فقد آن الأوان لنعترف بالتنوع القائم ونقبل على إدارته بحكمة تجنبنا مزالق الماضي وعثراته.

والحقيقة الأخرى التي كشف عنها انفصال الجنوب هي أن السودان ينطوي على موارد مهولة يمكنها أن تعوضه ذهاب عوائد بترول الجنوب، وتكون أساساً لارتياد آفاق النهضة الشاملة. والدافع الثاني للمؤتمر الوطني هو أنه بالرغم من نجاح تجارب الربيع العربي في إعلاء صوت الجماهير والتأكيد على أهمية تمثيلها بصدق والتعبير عنها بطلاقة في السياسات والمؤسسات إلاّ أن الأعاصير العنيفة التي صاحبت ذلك الربيع لم تدك العروش فقط، وإنما زلزلت أركان المجتمع ونفخت نيران الفتنة، ولهذا يرى المؤتمر الوطني أن نعتبر بتلك الدروس ونسعى لاستنشاق العليل من نسمات الربيع العربي دون أن نتعرض للعنيف من ثوراته. أما الدافع الثالث فهو أن خروج القيادات التاريخية للمؤتمر الوطني كان إعلاناً بانتهاء مرحلة مهمة تعقبها مرحلة لا تقل أهمية، ولأن هذه المرحلة الراهنة لا تقتصر على الحزب الحاكم وإنما تشمل الدولة فإن أمر التخطيط لها يهم أهل السودان.. وتلك هي الدوافع التي دعت المؤتمر الوطني لإطلاق نداء «الوثبة».. و هي وثبة تنطلق من منصة الواقع الحالي بما فيها من نجاحات وما شابها من إخفاقات. فما كان خطأ في التقدير يُنحَّى جانباً، وما كان خطأ في التدبير يُقوَّم.. وعلى الله قصد السبيل.

وبالعودة إلى ما أورده د. البوني تحت عنوان: «لو عرف السبب يكون أحسن» في عمود حاطب ليل يوم الإثنين الماضي، فتجدر الاشارة إلى ذكر أنه يمكن للمحلل السياسي الموضوعي أن يضع ألف سبب وسبب لدوافع سياسة التغيير لدى المؤتمر الوطني، وقد يصيب بعضها ويخطئ البعض، ومن المرجح أن تتداخل الأسباب، ولكن تبقى نظرة المؤتمر الوطني للتغيير هي الأهم لأنها سوف تحدد الطريقة والمآلات حتى يستبين للجميع أن المؤتمر الوطني لا يريد اللعب على عنصر الزمن وكسب الوقت ثم يقوم بهجمة مرتدة في طياتها المزيد من الإقصاء للآخرين، والمزيد من الانفراد، فجسد البلاد لم يعد فيه موضع لجرح أو طعنة جديدة والمتغطي بالزمن عريان.

وهكذا، فإن هذا مجرد أنموذج للمعنى والمغزى البعيد المدى الذي تنطوي عليه الدعوة الراهنة للحوار والوفاق والإجماع الوطني في سبيل العمل من أجل إغلاق صفحة ماضية ينبغي أن تُطوَى وتنفتح صفحة جديدة مغايرة وبديلة. لكن السؤال هو: هل ستنجح القوى الوطنية الحاكمة والمعارضة في هذا؟

صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]