جعفر عباس

نستورد حتى اللغة؟!!

[JUSTIFY]
نستورد حتى اللغة؟!!

كنت اعمل بجريدة الاتحاد في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وفي ليلة ليلاء أبدعت فيها إسرائيل في لبنان: قنابل عنقودية، على فوسفورية، على نابالم، على طلقات مضيئة.. كان كبير المحررين فيها هو الأستاذ منصور اسحق نقيب الصحفيين اللبنانيين الأسبق، وكان قد كلفني بإعداد الموضوع الرئيسي «المانشيت» بعد ان تلقيت رسالة مراسل الصحيفة في لبنان، فمر بي عمو اسحق وقال لي: بلّش! ف«بلشت» وأنا أغلي من الغيظ: هل يعتقد هذا الفينيقي أنني «مش قد» الموضوع؟ يعني يشك في قدرتي على تحرير الموضوع الرئيسي على الصفحة الأولى؟ جلست ساهما لبضع دقائق ثم جمعت أشيائي لاغادر مبنى الصحيفة عائدا إلى البيت، وما ان شاهدني اسحق حتى تساءل: وين رايح يا زلمي؟ قلت له: انا لست زلمي بل انت من الأزلام التي هي رجس من عمل الشيطان، فسألني مجددا: كيف بتروح وانت ما خلصت الموضوع؟..أي موضوع وانت طلبت مني ان أبلشه؟ هنا انفجر النقيب وشتمني بألفاظ من العيار اللبناني الثقيل، الذي لو أوردته هنا، لتم إغلاق هذه الصحيفة بالكوارع، وكان أخف ما فيه هو: بلِّش يعني «ابدأ» يا عجم يا بجم يا بهيم..قلت له ان بلش من كلمة بلاش كما في «بلاش تعمل هذا الشيء او ذاك» واننا نحن في السودان نعني بها ترك الأمر ونفض اليد منه، وليتني لم اقل ذلك لانه أطلق نحوي عدة قذائف كلامية ثم انفجر ضاحكا: ولا يهمك يا زول فالكلمة أعجمية وأنت شيخ العجم!وهكذا حل الخجل محل الزعل، وتذكرت كيف اننا في السودان نعبث باللغة العربية المحكية فنسمي القط «كدِيس» والرجل «كُدُر» وغرفة الطبخ أي المطبخ «تُكُل» واذا أردنا ان ندعو شخصا للقعمزة أي الجلوس فاننا نقول له: «قنِّب»،..وفي دولة قطر كانوا يسمون المشروبات الغازية أي الكولا «طاش ما طاش» والبطاطس «علي ويلم» والاسم الأول هو للمواطن القطري الذي كان يحتكر استيراد البطاطس من شخص إنجليزي يدعى وليم الذي صار ويلم، اما سجاير الروثمان او الروثمانز فقد كانوا يسمونه «علي بن علي» على اسم صاحب الشركة المستوردة، وفي عموم منطقة الخليج يسمون غطاء النوم برنوص وليس بطانية، كما هو دارج في الكثير من الدول العربية..والشخص الاسمر «خال» وهي فصيحة بليغة لأنها تعني الشامة التي تكون عادة سوداء، ولكنني أعيب على اهل الخليج عموما استخدامهم لمفردات أجنبية، في وجود مقابل عربي جاهز لها: فالواير عندهم هو السلك والسكروب هو المفك وهي تحريف لكلمة سكرو درايفر، والتاير هو إطار السيارة، والكبت هو الخزانة وهي تحريف لكلمة كبَرْد الانجليزية..ولنا في السودان مثل هذه الكلمات المسروقة بلا داع فالمستشفى عندنا هو الاسبتالية (هوسبِتال)، والبريد «بوستة» من «بوست» وفي مدينة الخرطوم بحري كانت هناك لافتتان على شارعين: شارع الاسبتالية وشارع البوستة، وقد انتقلت كلمة بنشر المسروقة من الانجليزية «بنكشر» إلى السودان وكنا فيما مضى نسمي محل اصلاح اطارات السيارات «محل لساتك» ومفردها لستك وهي تحريف لكلمة «إلاستك» الانجليزية التي تعني «مطاطي»! ولكن اسخف كلمة في العامية السودانية هي «القدٌّوم» وتعني البوسة الليليانية في حين ان القدوم هو الفأس الصغير..ويقال إن فلان مدّ قدّومه..يعني زعلان وشفتاه ممطوطتان..والأنكى من ذلك اننا نسمي الشفة «شَلّوفة» وهي اقبح من قدوم

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

تعليق واحد

  1. [FONT=Arial][SIZE=4][B]
    أحيييييييييييييييييااا أنا منك يا أستاذ جعفر عباس… طيب أنا درست مع الشوام وشغال مع اللبنانية.. وتعال شوف تدريس اللغة العربية ليهم في كل لحظة وكل كلمة.. حتى بقيت حقيقة مرجع اللغة العربية والشهور الهجرية.. طبعا أنا مطلعهم ما عرب عديييل.. وبستدل بأبسط كلمة(قلم)…
    فعندهم طبعا وانت سيد العارفين (ألم).. والألم معروف عندنا بالوجع.. فكل حياتناوجع..وعليه لو صح المعنى بتاعهم لأمتلأ السودان بجميع أنواع الأقلام.. ولكنا أمة عالمة

    ما عاوز أشكر مقالك.. فمقامك معلوم ويكفيني فخراً كتبت تحت أسطرك…[/B][/SIZE][/FONT]