فدوى موسى

الأزهري..

[JUSTIFY]
الأزهري..

منذ الصغر في ذلك الحي الشعبي (حبوبتي) هي الملهمة التي أستقي منها ماء الحياة.. ففي البواكر كنتُ الأكثر التصاقاً بها منذ الصباح الباكر.. أُلازمها في حركتها البيتية ما بين التُكل، والمطبخ، والمخزن، والمزيرة، والراكوبة، واُوضة الطين.. كان كل ذلك سبباً منذ السابعة من عمري أن أفرك البامية، وأطبخ الرجلة التي قطرها قام، والقاورمة، وأجيد السخينة.. ولأنني دون الآخرين كنتُ الأكثر استسلاماً للحالة البيتية، عشقتُ ما تقوله )حبوبتي( من قصص وحكاوي.. ودون وعي مني تشكلت صور ذهنية مختلقة لما تحكيه، وكان الأزهري عندها رقماً للفخر والعزة.. وانتقلت ذات الصورة الى مخيلتي، وكثيراً ما تأخذ من تفاصيله بأنه رجل متواضع جاء في سنة كذا لأمر اجتماعي أو واجب عام، فتأخذ زيارته أو حكاية تشريفه للملم مترعاً للخيال والقصة.. ودائماً ما تحب أن ترفق مع اسمه كلمة )الولي( وكثيراً ما كانت تصفه بأنه (الأزهري الصميم)، ومع تقدم الأيام وانفتاح الوعي، كانت تلك المخزونات الذهنية مرتكزاً لشخصية السوداني القومي.. وكم كانت سعادتي بالغة أن تلامس أوتار )حبوبتي( بعض من مترادفات شخصيات ذات صلة بالأزهري الذي انطبع في كل العقول الوطنية ببدلته البيضاء.. وهو يسلم الغريب علمه كأنه يردد مع العطبراوي (يا غريب يلا لي بلدك.. لملم عددك).. وعندما أدركتُ عمر الجامعة، وتم استيعابي بجامعة الخرطوم كلية البيطرة.. كنتُ أنظر للدكتور عبدالرحيم زوج السيدة (جلاء الأزهري).. بشيء من روح الوطن، فهو بالتأكيد الأقرب للأجواء القومية مع ما يحيزه من علم وظرف وحلاوة لسان.. كل ذلك يُمليه ما فرضه الزعيم الراحل الأزهري من انطباع للسوداني الذي تقدم لمجهود وطني كبير بذله رجال ونساء وطنيون ووطنيات، واختتم في ذلك العهد بمقدم السودنة الذي جعل لنا ذكراً وصيتاً طيباً بين حجز الدول لمواقعها في ظل النضال الوطني.. شكراً زعيمنا الراحل (إسماعيل الولي).. وددتُ إن كنتُ كاتبةً للسيناريو.. لكنت اليوم الموثقة لفيلم وطني كبير أبطاله أمثال هؤلاء ممن أطّروا صورة النضال الوطني وسطروا للسودان بدايات طرق، وتركوا الباب لاجتهاد الآخرين.

٭ حواء الطقطاقة..

كم كانت سعادتي بالغة ذات يوم عندما قرأت اسمي ضمن أسماء نساء سودانيات ذكرتهم الأخت الكاتبة الصحفية المطبوعة )منى أبو العزائم(، فقد فرحت أن لازمت ما بينه واسم مثل (الطقطاقة) التي يذكرها الجميع، وهي تمثل المرأة السودانية في اليوم الخالد مدى الزمان، فقد مضت الى سبيل ربها وبقي تذكارها في شوارع الخرطوم للعام 1956م تقول وهي تتوشح علم السودان إن المرأة السودانية حاضرة لحماً ودماً، كما كانت (السريرة) مهندسة لتمازج ألوان العلم، فالمرأة السودانية عبرهن كانت وما زالت تسهم في أحداث الوطن، وفي هذه الأيام نطالع مقاطع ومشاهد توثيقية لهذه الحواء التي عرفت كيف خطت لنفسها مكاناً بين رجالات في زمن الوطنية الحقة، لك المغفرة يا طقطاقة و(عاش كفاح المرأة الوطنية القومية)، وما أحوجنا هذه الأيام لمرأة قومية سودانية أصيلة تعلي شأن البلاد على شأن الكيانات والأحزاب.

٭ المرآة الآن.. نعم الآن انتزعت المرأة مواقع ومناصب ومكاسب في ظل تقدمها فكراً وعلماً وأدباً، فلم يعد دورها في حدود المطابخ والبيوتات، فقد استطاعت أن تفرض نفسها بنفسها، وأضافت اليها التفاهمات الآنية بعضاً من حقوق للتقدم وللمنافسة الشريفة مع الرجال الذين كانوا يوماً قابضين على كل شيء، وهي الآن في مرحلة «الكوتة» التي يبدو انها ستكون مجرد مرحلة ستتعداها الى انتزاع الصعب وتعدي مرحلة الفكرة القاتلة، إنها مجرد نصف حلو- اي نصف منتج ومفيد- الآن كثير من البيوت رباتها نساء ففي دارفور أدوارهن أكبر، كذلك النيل الأزرق، وفي جنوب كردفان وفي… وفي…

آخر الكلام: عندما تخلص النيات للوطن تتساوى فرص الجهاد الوطني عند الرجال والنساء، والسعيد من يسطر اسمه بأحرف من نور للتاريخ، ويصبح دليلاً لحقبة زمنية مميزة و(اليوم نرفع راية استقلالنا)..

[LEFT]مع محبتي للجميع..[/LEFT] [/JUSTIFY]

سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]