الطاهر ساتي

عطاء .. (مطلوب دوشكات)


عطاء .. (مطلوب دوشكات)
** عجز عمنا الريفي عن تسويق جردقته بأحد أحياء الخرطوم الموصوفة بالراقية، فلجأ إلى وسيلة ذكية.. والجردقة هي العطرون، أو (تراب خشن ومُر )، بلغة الحناكيش..المهم، جمع عمنا الريفي أهله بالعاصمة، ثم طلب منهم التوجه إلى أكبر محل تجاري بالحي الراقي، و سؤال صاحب المحل إن كان يبيع الجردقة .. يوم تنفيذ الطلب، نام صاحب المحل التجاري حائراً من كثرة الطلب : ( عندك جردقة؟).. كان يستنكر طلب الزبائن في بادئ الأمر، ثم إحتار حين تزايد الطلب، وآخيراً وعدهم بتوفير (الجردقة)..فجراً، ذهب الريفي إلى ضحيته، صاحب المحل التجاري، وعرض عليه (لوري جردقة)، فاشتراها بأعلى سعر..وهكذا تخلص الريفي من ( بضاعته)..!!

** وتقريباً، لبعض سادة البرلمان بضاعة – كما جردقة الريفي – كاسدة بولاية جنوب كردفان، ويسعون إلى تسويقها بواسطة وزارة المالية ووكلائها وتجار الإجمالي والإقطاعي، بتلك الوسيلة الذكية.. فلنقرأ نص الخبر الآتي، لنعرف حجم المسماة ب (هيبة الدولة)، إذ يقول النص : ( وضح البرلمان إنتشار السلاح بولاية جنوب كردفان، وأكد أن نزع السلاح من المواطنين بحاجة إلى جهد كبير، وهناك تفكير جمعي في كيفية جمع السلاح المنتشر، وهناك إقتراح بأن يتم تسليم السلاح إلى أجهزة الدولة النظامية بمقابل مادي، ويتبعه عفو )، هكذا تشرح وتقترح عفاف تاور، رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان .. !!

** فالمقترح البرلماني يقر بتجارة السلاح، ويمضي بعيداً بحيث تكون التجارة تحت رعاية وزارة المالية وبمالها العام، وبعلم السلطات المناط بها مهام حماية المسماة ب (هيبة الدولة).. وهذا لايحدث إلا في الدول المصنفة – حسب المعايير الدولية – في قائمة الدول الفاشلة .. نعم، من معايير الدول الفاشلة (عجز السلطة الحاكمة عن إحتكار السلاح بواسطة أجهزتها النظامية)..قبل سنوات قالها باقان في لحظة غضب : (السودان دولة فاشلة)، فقامت قيامة الصحف وساسة الحزب الحاكم، حتى أقالوه من منصب رئيس مجلس الوزراء ..أها، اليوم، باعتراف أعلى جهاز رقابي تشريعي ورقابي بالبلد يقول في منتهى الهدوء : السلطة الحاكمة عاجزة عن إحتكار السلاح عبر الجيش والشرطة والأمن، بحيث صار – كما التمباك والسجائر – في متناول يد الجميع، ليس بجنوب كردفان وحدها، بل بدارفور والنيل الأزرق أيضاً.. ومع ذلك، لم – ولن – تقم قيامة تلك الصحف وأولئك الساسة ..!!

** ليست من الحكمة، ولا من هيبة الدولة، أن تقاتل الحكومة الحركات المسلحة بغير القوات النظامية..وما إنتشر السلاح في جنوب كردفان وغيرها لحد تقديم مقترح (تسليم السلاح مقابل إستلام المال)، إلا إنحرف مسار السلاح قنوات الدولة الرسمية والنظامية إلى قنوات آخرى ذات أجندة مختلفة..فالسلاح في أيدي المواطنين بجنوب كردفان وغيرها، لم يعد لقتال الحركات المسلحة فقط، بل للنهب أيضاً، وكذلك لتصفية الأجندة القبلية، ونماذج االمعارك الدموية كثيرة بدارفور وجنوب كردفان..ومع ذلك، لم تفكر الحكومة بجدية في تجفيف تلك القنوات الأخرى من السلاح، بل تتمادى في تزويدها وتعبئتها في الطوارئ، بلسان حال قائل (هل من مزيد؟)، حتى بلغ الحال تقديم مقترح شراء السلاح غير المرخص من المواطن، و (كمان عفو)، أي مساءلة ولا محاسبة لحامل السلاح بغير ترخيص، أو كما تفعل قوانين الدول غير الفاشلة ..!!

** سائحون التي كانت حدثاً سياسيا في خواتيم العام الفائت، من ثمار (عدم إحتكار الدولة للسلاح)، وهناك أسماء أخرى بدافور هي – وليست الحركات المسلحة – التي تؤرق مضاجع المدائن والأرياف بقوة سلاحها.. وها هي جنوب كردفان تمضي على ذات الركب .. كم – وماذا – تبقى بحيث نكون صومالاً؟، ومن المسؤول ؟، وإلى متى يستنجد النهج الحاكم بالخرطوم من رمضاء الحركات المسلحة بنار الفوضى المسلحة، ليحافظ على السلطة ؟.. وما قيمة سلطة هيبة سلطاتها لاتتجاوز جغرافية العاصمة ؟.. المهم، فتح محلات جمع السلاح مقابل المال، بجنوب كردفان أو بغيرها، لن يساهم إلا في تطوير تجارة السلاح في المجتمع، بحيث يزداد العرض والطلب..وهذا ماحدث بجنوب دارفور في عهد الدكتور الطيب إبراهيم محمد خير.. هناك وسائل أخرى تليق بهيبة الدولة في جمع السلاح وطرح القانون، وليس من العقل ألا تتعظوا من تجاربكم.. ابحثوا عن تلك الوسائل الأخرى، هذا ما لم يكن لبعضكم ( دوشكات كاسدة)، ومراد تسويقها عبر وزارة المالية ومالها المسمى – مجازاً – بالمال العام ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]


تعليق واحد