من جزمجي إلى إعلامجي
ذات مرة، وأنا أتجول في مدينة ابو ظبي مع بعض الأصدقاء التقيت بسوداني، وهششت للقائه، وتلقفني بالأحضان السودانية التي تؤدي إلى بهدلة الملابس والقفص الصدري، وتبادل معي أرقام الهواتف،.. وفارقته ولحقت بأصدقائي وقلت لهم ان الرجل كان رئيسي في العمل عندما كنت طالبا وأعمل خلال الإجازات لتوفير ما يلزمني من ملابس ومصاريف تسمح لي بشراء الآيسكريم ودخول السينما، وقد كنت وسيما في ذلك الزمان بدليل ان نادية لطفي وسعاد حسني وهند رستم وقعن في غرامي وكنت كلما جلست أمامهن في دور السينما يغمزن لي بعيونهن، فأزداد حماسا لكسب المزيد من النقود لمقابلتهن (ثم لما راحت علينا صرنا نعاير الجيل الجديد بأنه عجرمي وهايف أي معجب بهيفاء!!).. المهم شرحت لأصدقائي أولئك أن ذلك الرجل كان مديرا لمحل لبيع الأحذية، وأنني كنت «بياع» مهمتي إنزال الأحذية من الأرفف وعرضها على الزبائن، بل ومساعدتهم في ارتدائها، وأنه عندما يخلو المحل من الزبائن كنت أقوم بنفض الغبار عن الأحذية المعروضة، وحدثتهم كيف انني نلت ترقية صرت بعدها «كاشير»، اي مسؤولا عن تحصيل النقود، وارتاح أنفي من شم البلاوي التي كانت تصدر عن أقدام الزبائن عندما كانوا يخلعون أحذيتهم القديمة، ولم يستغرب اي من أصدقائي أولئك انني كنت «بياع جزم»، فمنهم من عمل خلال الإجازات المدرسية «مساعد بناء» يحمل خلطة الخرسانة على كتفيه، ومنهم من كان يبيع الجرجير والنعناع في سوق الخضراوات،.. وفتح ذلك شهيتي لأحدثهم عن فترة مزدهرة من حياتي تقاضيت خلالها ستة جنيهات كاملة في الشهر، وانا طالب في الجامعة، ستة جنيهات كانت في ذلك الزمان «تفتح بيت» بمعنى انك تستأجر بها غرفة وتشتري بها ملابس وطعاما يكفيك شهرا، وكان ذلك عندما عملت كاتبا في مختبر طبي في مستشفى مدينة الخرطوم بحري وكان دوري هو استلام العينات (لا مؤاخذة) وتسجيل نوعها (وما أدراك ما نوعها) واسماء أصحابها!! مناسبة هذا الكلام ما أقرؤه في الصحف الخليجية يوميا عن شباب دخلوا مجالات السباكة والحدادة والنجارة والعمل في المطاعم، والفنادق، والصحف تكتب عنهم وكأنهم رواد فضاء، لأنها تعلم ان معظمهم كسير الخاطر ويلعن الظروف التي جعلته يمتهن العمل اليدوي.. ولكنني واثق أنه سيأتي عليهم يوم يحكون فيه عن خطواتهم الأولى في تلك المهن باعتزاز شديد، لأنهم سينالون الاعتراف بأنهم «رواد» وسيصبح بعضهم يوما ما مقاولين، وسيكون بمقدورهم تقديم القروض لزملائهم «الجامعيين» الذين يؤدون أعمالا مكتبية في بيئات مكيفة الهواء، في بريطانيا كان لي ستيورات إيفانز يعمل رئيسا لفريق في مجال أبحاث الحمض النووي في جامعة كيمبريدج وكانت زوجته الدكتور ستيفاني متخصصة في علم الفيروسات، وقرر كلاهما ترك العمل الجامعي وأصبحا منظفي شبابيك.. وقفز راتب كل منهما من 15 ألف إلى 50 الف استرليني في الشهر، ونقلت الصحف حكايتهما وكانا سعيدين بنشر صورهما وهما يحملان الجرافة المطاطية المخصصة لتنظيف النوافذ.
أذكر أنه عندما بدأت شركة اتصالات قطر (كيوتل) تشجيع الشباب القطري على العمل الميداني، كان هناك من رفض الوظيفة رغم الراتب المجزي لأنه لم يكن يريد ان يراه «الربع» وهو يرتدي «الأوفرول» الذي يسميه البعض أبرول.. وفي مطلع التسعينيات فتحت كيوتل أبوابها للفتيات القطريات وجاءتنا مجموعة من الفتيات كل واحدة مصحوبة بأمها وزوجات أبيها وعماتها وخالاتها، ورجع معظمهن من دون استكمال اجراءات تقديم الطلبات عندما رأوا ان غالبية العاملين في الشركة من الرياييل.. وان المكاتب عبارة عن صالات مفتوحة وصمدت مجموعة منهن، وفي السنوات التالية صرنا عاجزين عن ان «نلحِّق»، فالشباب الراغبين في العمل في التركيبات والصيانة صاروا بالعشرات والشابات اقتحمن أقسام الشركة كافة، ومنهن اليوم من تتولى الإشراف على إدارات بكفاءة واقتدار.. يعني ما فيها شيء ان يبيع انسان الأحذية او يتسلم العينات في مختبر طبي.. المهم ان يعمل الانسان ويكسب من عرق جبينه وأن يكون طموحا ليشتري مستقبلا أحسن أنواع الأحذية ويفحص عيناته في أفضل المختبرات الطبية.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]
برافو عليك استاذ ابوالجعافر لسردك هذا الموضوع الهادف لان كثير من الشباب يتأفف ويتعالي علي الولوج في بعض المهن خوفا من شمارات المجتمع الذي لا يرحم ( هسي عليك الله لو شافني زول من حلتنااو شافتني جكسوياتقول علي شنو وانا ببيع بصل وللا برسيم ) في حين انه افراد المجتمع هم من ينتقدك اولا اذا كنت عاطل عن العمل ويصفك بانك ( زول خيبان ) ولا ننسي ان رسلونا الكريم سيدنا محمد افضل خلق الله كان يعمل راعيا للاغنام , وحقيقة ان اساس التربيه عندنا هي سبب كل البلاوي لان افراد الاسره هم من يساعدوك علي الاعتماد علي غيرك في كل المصاريف لدرجة يمكن ان يعطوك حق ( السجائر والتمباك ) اذا كنت تتعاطي المكروه عمدا , لذا ينشأ هذا الجيل من الشباب متسكعا كسولا عاطلا عن العمل في الاجازات وحتي بعد التخرج من الجامعات , وحتي لو رغب في الزواج تجده يعتمد اعتمادا كليا علي الاخرين وخاصة اذا كان واحد من اقربائه في دول الخليج (يازول رسل لي الشيله والشبكه والريحه) وبعد الزواج ب 9 شهور يتصل عليك طالبا( حق خروف السمايه ) سادتي نحن شعب عاطفي لابعد الحدود وهذه العواطف هي سبب تخلفنا اقتصاديا, فياليتنا تركنا كل زول يعتمد علي نفسه وياكل ( نيمو ) نواصل بعد الفاصل .
انا شخصيا والحمد لله عملت في كل الاجازات المدرسيه بعت التسالي والبصل والليمون وكنت اشتري المنقه من جناين اربجي وعمرة ابيد واقوم ببيعها في سوق العيكورة وكنا نلقط الصمغ والقرض من الغابه وايضا عملت في اعمال الجير والبوهيه واللياسه وكثير من زملائي في تلك الفتره كانوا يمارسون اعمالا تدر عليهم ارباحا حتي ولو كانت بسيطه لكنها تجعل منك انسانا تحس بالفخر والاعتزاز بالنفس . وتحضرني قصة ذلك الطالب الذي تخرج من الجامعه وبلغ والده انه يرغب في الزواج من زميلته التي يهيم بحبها وبما ان والده كان يحمل رساله مفادها ان الانسان لابد ان يعتمد علي نفسه لذلك رفض مساعدته وقام بالاستنجاد بوالدته التي دبرت له حق المهر وفعلا بلغ والده انه جاهز وماكان منه الا ولبس الجلابيه والعمه وتوجهوا الي البنطون ( المعديه ) وفي نص النيل طلب من ابنه تسليمه المبلغ وقام برميه في النيل ولم يصدق الابن ماحدث واستغرب لتصرف والده , ورجع لوالدته وخبرها بما فعل ابوه وطلب منها تدبير حق المهر وسد المال مره ثانيه ونفس الموقف تكرر ورمي ابوه الفلوس في النيل وفي المره الاخيره لم يجد مع والدته اي مساعده , وقرر ان يذهب للعمل في اماكن التنقيب عن الذهب وتعب وكد وجلب المال وبلغ والده بموعد الذهاب لسد المال وفي نص النيل طلب مه ابوه المبلغ ولكن رد عليه وبسرعه وبكل حزم وقال ليهو ( هو انت قايلني جبت القروش دي بالساهل والله لو ماوصلنا لي اهل العروس مااديك وللا قرش احمر )