المخزون.. الطيب صالح

تفاصيل حياتنا الصغيرة لا تنفك أن تعطي ملامح لدوائرها الأكبر.. الادخار والمخزون من أجل الغد مفهوم راسخ في أدبيات حياتنا السودانية، وثقافات حفظ الغذاء الأبيض لليوم الأسود نهج كان أكثر بياناً ووضوحاً في حياة جدودنا وجداتنا.. واذكر فيما أذكر «جدتي لأبي» وهي تعني بتفاصيل ذلك الأمر. وتختص بقاطوع من أجل حفظ «المخزون الإستراتيجي البيتي» حيث لم يكن مخزونها يخلو من الدقيق والسكر والبصل و.. بحيث يمكنها في أحلك الظروف أن لا تحتاج للخروج بعيداً عن إطار بيتها، بحثاً عن مادة من مواد…. وذلك المفهوم التخزيني مرتبطاً بتقانات معينة لحفظ الغذاء، خاصة التجفيف والتمليح، ولأن الإنسان ابن عصره ظهرت بعض الملامح لهذه الثقافة في كتابة الرائع «الطيب صالح»، عندما وصف في «موسم الهجرة إلى الشمال» بيت جده قائلاً «دخلت من باب الحوش و نظرت إلى اليسار واليمين في الفناء الواسع.. هناك تمر نشر على البروش ليجف، وهناك بصل وشطة، وهناك اكياس قمح وفول، وبعضها خيطت أفواهه وبعضها مفتوح.. وفي ركن عنز تأكل شعيراً وترضع مولوداً.. هذه الدار مصيرها مرتبط بمصير الحقل.. إذا اخضر الحقل اخضرت، وحين يجتاح القحط الحقول يجتاحها هي أيضاً.. واشتم الرائحة رائحة البصل والشطة والتمر والقمح والفول واللوبية والحلبة.. أضف إليها رائحة البخور الذي يعبق دائماً في مجمر الفخار الكبير.. رائحة تذكرني بتقشف جدي في العيش وترفه في لوازم صلاته».
وها هي الأيام تمضي وتتسع دوائر فكرة ومفاهيم «المخزون» من حوى البيوتات والدور لتصبح في أجندات الدول مفهوماً للأمن الغذائي والمخزون الإستراتيجي.. وأنا أرى اننا هذه الأيام خرجنا عن الإطار، وخوت بيوتنا إلا من مخزون أيام محددة على طرف المطبخ، وفي كرش الثلاجة أو «الديب فريزر»، في ظل توفر نوعي للمكونات الغذائية مقارنة ببعض الزمن الماضي.. ما احوجنا لذلك في خضم بحر الغلاء الفالت الذي لا تبيت فيه اسعار المواد الغذائية جميعها على سعر واحد، تصمد به إلى يومين.. ذهبت اشتري بعض الاحتياجات الاسبوعية ووضعت حساب فارق زيادة في الأسعار، إلا أن الواقع لها ابتلع المبلغ ومبلغ مضاعف، افرغت ميزانيتي بكل جبروت الاضطرار.. المهم طفقت إلى ذهني فكرة الاحتفاء بالمخزون والتخزين حفاظاً اقلاه على الميزانية، إن لم يكن حتى هناك تحسباً للندرة أو عدم التوفر.. بل وقرار يتحرك داخلي لو أن أي منزل عاد لتخصيص مكان أو موضع للمخزون أو القاطوع، لكان ذلك عين الصواب.. حتى ولو على زوايا الشقق والبيوتات الحديثة.
[B]آخر الكلام[/B]شكراً أديبنا العالمي «الطيب صالح» على هذه الرائحة التي نود أن نشتمها ونعبقها بالبخور والمنعشات حتى نحس أن لحياتنا طمعاً ورائحة.. شكراً حبوبتي «السيدة بت يوسف» وأنتِ تربي فينا مفهوم الادخار والتخزين..
[LEFT][B]مع محبتي للجميع..[/B][/LEFT]سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email][/JUSTIFY][/SIZE]

