فدوى موسى

دوام الحال

دوام الحال

الناس والبيوت وأطياف الرؤى والخيالات ترسم بعضاً من دلائل.. الذاكرة العميقة تتجاذب قوتها ما بين اليوم والأمس، ليس كثيراً يقف المرء متأملاً محطات حياته المتسارعة ليكتشف أنه مسكون بالتطور شاء أم أبى.. بالحاجة للناس.. فكل من هم معه في قاطرة الأيام يكتسبهم بحكم الظرف وحكم أنه كائن اجتماعي، وأن لم يكن يفطن لذلك.. لذا يجد أحداث أيامه تحتمل أن تتبدل الوجوه، ولكن يتبقى الجوهر المفطور أن الناس بالناس والكل برب العالمين، ولأن ذات الخاطر يحتمل أن لا يستقر على حال واحد، يستمد ديناميكيته من قيم توارثها أباً عن جد.. دوام الحال من المحال.. إذن قلب دفاتر حياتك منذ البدايات الأولى أعرف كيف خطوت وتقدمت، ومن كان إيجاباً معك ومن كان سلبياً عليك، لا من أجل أن تكافيء هذا وتحاسب ذاك، إن كنت في موقع تمتلك تلك القوة، ولكن من أجل أن تكون أنت إيجاباً في حياة الناس دون أن تترك لنفسك مجالاً للانتقاص.. كم هو إحساس رائع أن تقدم إنساناً صالحاً للمجتمع.. ليس بالضرورة أن يكون اسهامك له مادياً، فالحياة قوامها الطاقة الإنسانية التي يمكن تسخيرها وتفجيرها في جوف إنسان في لحظات انكساره وضعفه، أو حينما يصل مرحلة القنوط واليأس والبؤس.. قد لا تتنبه لهذا الدور المعنوي الكبير، وإن كنت ممن يمارسونه.. أعجب جداً لذلك الإنسان العبوس الذي ينظر للدنيا من خلال زاوية نفسه عندما تمتلك وقود الطاقة المدمرة، فيرى الناس كأنهم فئران أو جرذان أو حيوانات تجارب قابلة لأن تكون طيعة ومرنة على يده.. فيخرج من قمقمه مارداً لا إنساناً يجعله يسفههم ويحقرهم على أنهم قابلون للرضاء بكل ما يقوم به تجاههم.. هذا النموذج الذي يخصم من الإنسانية الكثير ويهزها هزيزاً، وإن لم تبدُ معالمه ظاهرة تختزنها الذواكر على أنها قابلة للانفجار.. وعلى نسق «دوام الحال من المحال» بات لازماً على الفرد في أي وضع كان أن يتمثل كل الظروف القادمة من عدم، عز، فقر، انتصار أو قهر.. ويتأهب لأيام مقبلات قد يكون في أقدامهن ادبار.. تطوافاً على نماذج الظروف أنظر لهذا الغني الذي صاراً معدماً.. أو ذاك البائس الذي بسقت له العمائر والدور.. أو هذا العليل الذي استمتع بقدر وافي من الصحة والعافية، وانتهى به الحال للجلوس لماكينة غسيل الكلى أو أجهزة الأشعة أو.. هي الأيام بعسلها ومرها.. حتماً تعيش فصولها مستسلماً تارة ومعانداً أحياناً وما بين ذاك عواناً.. الشيء الذي يدعوك لأن تكون دائماً مع صدق الداخل وقناعة العمر الذي جئته عارياً، وتذهب منه كما جئت عارياً عندما يلفك عملك بقيمته لا كفنك، وإن غلى ثمنه.. أناس كثر ينظرون اليك بشيء من حتى، وأنت تقابل نظراتهم بظن تعرفه وفكرة تختزنها لهم، ولكن «حبوباتنا» كن يقلن بلسان بليغ «التدورو والتابهو تكسو لليمه ما تلقاهو»، كأنها نظرية حياة كاملة انك أنت بهؤلاء.. فإن نجحت لا يخصك وحدك مبدأ النجاح، لأنه بالتأكيد هناك من كان معك أو قربك أو حولك.. أو من يدعو لك بظهر الغيب.. كن أنت ذلك الشخص المعين لا المتخاذل..

٭ آخر الكلام

اطلعوا جبال الحياة وانظروا اليها من علٍ.. ثم اهبطوا في الوهاد والنجاد وانظروا اليها بالأفق، تكتشفوا انكم لم تعيشوا بعد.. فالحياة أكبر من الارتباط بزمن محدد.. خذوها من المهد إلى اللحد إلى العالم الآخر، ولا تأمنوها على حال واحد..

[LEFT]مع محبتي للجميع[/LEFT] سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email][/JUSTIFY][/SIZE]