رأي ومقالات

د. عارف عوض الركابي : «الحِجْبَات» في الامتحانات .. والفطرة السليمة

اطلعت على تقرير رصدته صحيفة «السوداني» لبعض مراكز امتحانات الشهادة السودانية هذا العام نشر يوم الجمعة الماضي، ومما تضمنه التقرير الإفادة التالية: «بينما شهدت ذات القاعات بالمدارس ظهوراً استثنائياً لـ «الحجبات» التي يرتديها بعض الطلاب بغرض تجاوز صعوبات المادة و«الثبات» في الإجابات وذلك بحسب إفادة بعض الطلاب، بينما أكد أحد الطلاب فضل حجب اسمه ــ أن والدته قامت بإلباسه «حجاباً» بغرض المرور من الامتحانات والخروج بنتيجة إيجابية ولـ«كف» عيون المراقبين عنه، ويضيف الطالب لـ«السوداني»: «كانت والدتي حريصة أن أرتدي الحجاب، وأصدقكم القول إنني في الجلسة الأولى للامتحانات لم أكن أرتدي الحجاب واستطعت أن أجيب عن كل الأسئلة، وبعد أن ارتديت الحجاب في الجلسة الماضية لم أتمكن من الإجابة بشكل صحيح، وهو الأمر الذى جعلني أخلع الحجاب وأقوم بتخبئته في دولاب ملابسي»، ويضحك قبل أن يضيف: «هسي الواحد يجيب ليهو درجة كبيرة وينجح يقولوا ليك دا بسبب الحجاب»..!.

قلتُ: لي مع موقف هذا الطالب الوقفات التالية:
الأولى: الحجبات هي «التمائم» مفردها «حِجَاب» وتجمع على «حِجبات» و«حُجُب» وسمي الحجاب بذلك لأن ما كتب فيه محجوب عن الناس فلا يطلع عليه غالباً من يحمله أو يتوسط في الحصول عليه، أو من الاعتقاد أنه يحجب عن صاحبه العين ويمنعها وسيأتي بيان ذلك في وقفة تالية، ويجلَّد غالباً بجلد بطريقة معينة بعضه يربط على العضد وبعضها يعلق في الرقبة وبعضها يربط على البطن، وتأثر إنتاج «الحجبات» بالصناعات الحديثة فأصبح يرى حجابٌ تم تجليده على «طبلة» وهو المشهور بحجاب «أبو طبلة» حيث يغلق عليه بالمفتاح!!

الثانية: الحجبات هي «التمائم» للتميمة والتمائم هي ما كان يعلقه أهل الجاهلية على الصبيان من خرزات وعظام ونحوها بغرض دفع الإصابة بالعين، وقد ورد في السنة النبوية بيان الحكم الشرعي ومن الأحاديث الواردة في ذلك: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من علق تميمة فقد أشرك» رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه الألباني، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إن الرقي والتمائم والتولة شرك» رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وغيرهم وصححه الألباني، وعن عيسى وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: دخلت على عبد الله بن عكيم أبي معبد الجهني أعوده، وبه حمرة فقلت: ألا تعلق شيئاً؟ قال: الموت أقرب من ذلك ، قال النبي: «من تعلق شيئاً وكل إليه» رواه الترمذي وحسنه الألباني. وتفصيل الحكم الشرعي الذي دلّت عليه هذه الأحاديث في الوقفة التالية:

الثالثة: التميمة قد تكون بآيات من القرآن الكريم بأن تكتب آيات وتوضع في شكل حجاب وتُلبس، وهذه حكمها أنه لا تجوز وهذا هو القول الصحيح والراجح في حكم التميمة التي تكتب من آيات القرآن الكريم، فإن ذلك لم يثبت فعله عن النبي عليه الصلاة والسلام والواجب تحري الأسباب الشرعية وعدم اتخاذ أسباب لم تشرع في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما أنه يؤدي إلى امتهان القرآن الكريم بالدخول به في أماكن لا يجوز أن يُدخَل به فيها، وأما التمائم التي تكون من غير القرآن الكريم وهو غالب ما يكون في هذه «الحجبات» المنتشرة فحكمها يختلف باختلاف حالها وما يعتقد فيها، فإن كان من يلبس هذه «الحجبات» يعتقد أن النفع والضر بيد الله تعالى وحده وأن «الحجاب» سببٌ لذلك فيكون الحكم التحريم فإن اتخاذ وسيلة لم تأتِ بها الشريعة هو من المحدثات في الدين ومن المنكرات في الشريعة فتكون من الشرك الأصغر وهو ما يكون في الوسائل، وأما إن كان من يلبس هذه «الحجبات» التي هي من غير القرآن الكريم يعتقد أنها ترد البلاء بذاتها وتجلب له الخير بنفسها فقد جعلها شريكاً لله في تصريف الأمور وتدبيرها فيكون حكمها أنها شركٌ أكبر والعياذ بالله، فإن المتصرف في الكون والنفع والضر بيد الله تعالى وحده وهذه مخلوقة ليس لها من الأمر شيئاً، قال الله تعالى: «وإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لهُ وإِنْ يَمْسسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ علَى كُلِّ شَيْءٍ قدِير»، وقال سبحانه وتعالى: «وَإِنْ يَمْسسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فلاَ كاَشفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وإِنْ يُرِدْكَ بخَيْرٍ فلاَ رادَّ لفَضْلِهِ يُصِيبُ بِه منْ يَشاَءُ مِنْ عِباَدِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ».

الرابعة: عند فتح مجموعة من «الحجبات» وهذا أمر أصبح من الأمور المتواترة أنه وُجد أنه قد كُتِب عليها أسماء شياطين بين كلمات وأحرف كتبت في الحجاب فتجد اسم «بدوح» و«شمهريط» و«يارا» و«كارا» وغيرهم.. وقد فعلتُ ذلك بنفسي عدة مرات عندما أخذت حُجُباً من بعض الأشخاص وفتحتها وجدتُ ذلك بل وجدت في أحدها عبارة: «الله هو كارا..» وغيرها كثير من مثيلاتها.. وهذا من تقرّب السحرة والدّجالين والمشعوذين للشياطين وعبادتهم والاجتهاد في إرضائهم ، وهذا مما يطلبه الشيطان الجني من وليه الشيطان الإنسي أن يتقرب إليه ويعبده وقد قال الله تعالى: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ».

فالواجب أن يتنبه الكثيرون ممن يعلقون هذه التمائم «الحجبات» دون أن يعلموا ما كُتِب فيها مما لا يوافقون عليه لو اطلعوا عليه، علماً بأن بعض ما يكتب هو كلام لا معنى له، وهو من ضحك بعض الدّجّالين على بعض من يأتيهم ليأخذوا منهم أموالهم مقابل تلك «الحجبات» ومن العجائب أن أحدهم يحكي أن شخصاً أقنع قرابته أن يقوم بفك الحجاب وقراءة ما فيه حيث اعتقد الزوج وزوجته أن المرأة ستحمل بعد تعليقها للحجاب فلما تم فتح الحجاب وجدوا أن من كتبه إليهم وبعد أن أخذ منهم المال كتب فيه بالعاميّة: «كان وِلدتي وِلِدتي وكان ما وِلدتِي إن شاء الله ما وِلِدتي»!! وقصص كثيرة واقعية تحكى في هذا الباب من تلاعب الدّجالين ببعض الجهال والمساكين.

الخامسة: موقف هذا الطالب يدل على سلامة فطرته وعدم تغيرها إذ أخبر بيقين تام أن هذا «الحجاب» ليس له تأثير في إجابته، بل بالعكس فإنه قال: «وبعد أن ارتديت الحجاب في الجلسة الماضية لم أتمكن من الإجابة بشكل صحيح»، بينما أجاب صواباً عندما لم يلبسه، وهذا فيه إشارة إلى معنى عظيم أن من تعلق شيئاً وُكل إليه، وإن الله تعالى قد خلق عبده ليكون متعلقاً به في كل الأوقات والأحوال فهذا نبي الله محمد وخاتم رسله أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام يقول لصاحبه الصديق وهما في الغار: «إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا» وقال الله تعالى عن موسى عليه السلام لما قال أصحابه «إنا لمدركون» فقال: «كلا إن معي ربي سيهدين». فهذا الطالب قد سلِمت فطرته وإن كان لم يقوَ لأن ينصح أمّه ويبيّن لها الحق وهذا جانب يحسن التنبيه عليه في مجتمعنا إذ تغلب المجاملة والعاطفة في كثير من الأحيان فتؤثر في النصح سلباً ولا يتم إبراء الذمة تحت تأثير العاطفة التي لم تقيد بالشرع فضاعت بسببها الحقوق!!

السادسة: في كلام الطالب أن الأم ألبسته «الحجاب» لينصرف أو يكف عنه عين المراقب!! وعجبي أن تأتي الأم لابنها بشيء تعتقد أن يكون سبباً ليقع ابنها في الغش من عند نفسه أو من زملائه وهذا يبين خللاً كبيراً في تصرفات كثير من الآباء والأمهات ودورهم المعكوس في التربية.. فهم يهدمون لا يبنون ويسيئون لا يحسنون ويفسدون لا يصلحون.. إن على المسؤولين في وضع المناهج والمقررات والقائمين على التعليم من موجهين ومشرفين ومعلمين ومعلمات ويشاركهم الآباء والأمهات الدور الكبير في تربية الأبناء من الطلاب والطالبات على المعتقد الصحيح وتصحيح الأخطاء في أقوالهم وتصرفاتهم وإنها لمسؤولية عظيمة أشفقت السماوات والأرض والجبال من حملها ..

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

تعليق واحد