تشارلز إيليسون : هل تستفيد أفريقيا من الأزمة الأوكرانية ؟
ومع أن أفريقيا نفسها لا تخلو من مشاكل، إلا أنه يمكن للغرب التعامل معها مقارنة بشبكات القاعدة الناشطة في الشرق الأوسط.
وعندما تهتم شركة مثل «بي. بي» بأفريقيا فذلك مؤشر حقيقي على مستقبلها، حيث قالت في أحد توقعاتها «إن أفريقيا ستسجل أكبر نمو إقليمي في الطلب على الطاقة، بالإضافة إلى أن إنتاجها من الغاز الطبيعي والنفط بين اليوم و2035 سيكون الأكبر من أي دولة أخرى في مجموعة البريكس».
لذا وبعد شهر واحد من اجتياح روسيا للقرم، أرسلت الولايات المتحدة قوات خاصة إضافية إلى أوغندا لتعزيز مائة عنصر أميركي هناك بهدف تكثيف البحث عن زعيم «جيش الرب» جوزيف كوني، بل إن البنتاجون أرسل طائرات عسكرية حديثة إلى البلد لتأكيد الحضور الأميركي في القارة، ورغم حرص الناطق باسم السفارة الأميركية في أوغندا، دانيال ترافيس، على تأكيد الطابع الاستشاري للقوات الأميركية في البلد، قائلاً «إن تلك القوات والطائرات العسكرية لا تعني تغيراً في طبيعة الدور الاستشاري للجيش الأميركي»، إلا أن السرعة التي أرسلت بها أميركا قواتها مباشرة بعد تدخل روسيا في القرم ليس مجرد تحرك إنساني، فمن الواضح أن المصالح الاستراتيجية الحيوية للغرب في أفريقيا والمتمثلة في البحث عن مصادر الطاقة عادت لتتصدر الاهتمام، علماً أن أوغندا هي جزء من مجموعة دول شرق أفريقيا التي تشهد نمواً سريعاً وتضم كلا من كينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي، وكما أشار إلى ذلك تحليل أجرته مؤسسة «ستراتفور» للدراسات «ولدت مشاريع التنقيب عن النفط والغاز، ومعها احتمال إقامة قاعدة صناعية في شرق أفريقيا اهتماماً متزايداً بمشاريع مد أنابيب نقل الغاز والنفط الخام لتصديره إلى الأسواق العالمية وشحنه إلى المصافي».
والحقيقة أن هذا التموقع الاستراتيجي المستجد في أفريقيا ليس وليد اللحظة، فقد انطلق منذ إدارة بوش التي ضخت 5 مليارات دولار في السنة لمكافحة الإيدز والملاريا، لكن أيضاً لتهيئة المجال لتوسع محتمل للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، أفريكوم، لذا لم يكن مستغرباً مشاركة الطائرات الأميركية في قصف ليبيا، وإقامة قاعدة للطائرات بدون طيار في أماكن بعيدة مثل النيجر وجيبوتي، وبوركينا فاسو، وجنوب السودان، ودعم الاستخبارات الأميركية للقوات الفرنسية في مالي.
وفيما يتم التركيز على عناوين عريضة وبراقة مثل محاربة الإرهاب المتصاعد في أفريقيا وجماعات التطرف الديني باعتبارها القصة التي يمكن الترويج لها، يبقى الهدف الآخر والأكثر أهمية هو السباق نحو مصادر الطاقة في القارة السمراء، كما أن القوى الغربية التي تشعر مسبقاً بالانزعاج من الاقتحام الصيني المتزايد القارة من خلال استثماراها لمليارات الدولارات وبنائها مقر الاتحاد الأفريقي الجديد في أديس أبابا بإثيوبيا، شرعت في تعزيز حضورها في القارة قبل أن تهمين القوة الصاعدة على كل شيء. واللافت أن هذا الحضور الغربي جرى بوتيرة سريعة بين الزيادات المتدرجة للقوات الأميركية فوق التراب الأفريقي، إلى نشر أكثر من ألفي جندي فرنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى، وقبل أسابيع قليلة فقط أعلن الاتحاد الأوروبي التزامه بإرسال ألف جندي إضافي، وهو الأمر الذي فاجأ الجميع، بالنظر إلى انشغال أوروبا حالياً بالتمدد الروسي على حدودها الشرقية، ليبدو أن الغرب في سباق مع الزمن لضمان استقرار مناطق متاخمة لأوغندا المنتجة للنفط وغير البعيدة عن نيجيريا التي تعتمد عليها أميركا في تأمين 5 في المئة من وارداتها النفطية.
وباختصار تحولت أفريقيا اليوم إلى ساحة جديدة للاستعمار الجديد الذي يأتي هذه المرة متخفياً في لبوس العمل الإنساني والنمو الاقتصادي حتى يبدو جميلاً ومغرياً، فما يحرك التوجه الغربي نحو أفريقيا هي الاعتبارات الجيوسياسية، ومع أن أهداف أخرى معلنة مثل مطاردة أمراء الحرب ومنع تكرار مجزرة رواندا تبقى حاضرة في السياسات الخارجية الغربية، إلا أنه في وقت تخفض فيه الحكومات الأوروبية نفقاتها بما فيها العسكرية، لا أحد يمكنه القول إن الاستثمار الغربي في أفريقيا هو لمجرد القيام بحملة علاقات عامة ناجحة، أو لتلقي عبارات الإشادة والثناء.
محلل سياسي أميركي
المصدر: الاتحاد