منوعات
قصة قصيرة .. الفئران تـأكل بعضها
الزمان: بعد الميلاد.
المكان: مكان ما في هذا العالم.
ها قد صار الزمان والمكان معروفين.
لنأت إلى الحادثة في المكان الذي ذكرناه والزمان الذي حددناه كان ثمة مخزن كبير. المخزن كان مملوءا بما يوكل.. يحرق.. يلبس.. يغسل.. كل شيء مفصل مرتب.
الخضار اليابسة كالحمص والفاصولياء والفول… في طرف الحبوب كالذرة والارز والشعير.. في طرف… والأحذية والألبسة في طرف آخر.
كان يدير المخزن المحدد المكان والزمان، مدير ناجح في يوم لم يعد يعرف المدير الناجح ماذا يعمل، الفئران احتلت المخزن. المأكولات صارت تتناقص. الفئران قرضت الجبن والخبز المقمر.
المدير الناجح لا يجلس ويداه على خصره أبداً حارب الفئران بكل ما أوتي من بأس، لكنه وبالرغم من كل ما بذله لم يكسب الحرب. الصابون وقطع الجبن تتناقص يوما بعد يوم الملابس أصبحت مثقبة ومهبرة أعشاش الفئران بنيت داخل أكياس الطحين..
لم يبق اطمئنان على سلامة المخزن من الفئران التي أخذت تسمن وتسمن وتعجعج وتتكاثر كلما أكلت من الحبوب والأطعمة، غصّ المخزن بالفئران واحتل جيش منها المخزن الكبير.. بدا أنه حتى الوقوف بالمخزن مستحيل.. لم تكتف الفئران بالتهام المأكولات وقرض الملبوسات وقضم الجبن والسجق، بل أنها راحت تسن أسنانها واظافرها بالجلود والأحذية والخشب..
أصبحت الفئران من وفرة الغذاء بحجم القطط، ومع الزمن بحجم الكلاب، كانت لا تهجع أبدا تتراكض وتتلاعب وتنط في المخزن.. وفوق ذلك سدت أكثر أماكن التهوية والإنارة والجمال فيه..
المدير الناجح استمر في حربه مع الفئران دون هوادة.
وضع أكثر أنواع السموم مضاء كل جهة وكل صوب… لم يستفد شيئا… لا بل ان الفئران اعتادت على السم المقدم لها.. لأنها كانت تنتشي بتناولها كما ينتشي الانسان المعتاد على سموم النشوة،, وبدأت مع مرور الزمن تطلب السم أكثر.. وإذا لم يقدم لها هذا السم.. مع الزيادة عن اليوم السابق.. كانت تدب على الأرض بأرجلها فتكاد تهد المخزن.
جمع مدير المخزن أفضل أنواع القطط وفلتها في المخزن ليلا.. وفي الصباح وجد وبر القطط المسكينة وبقايا عظامها لم تستطع القطط مجابهة الفئران ولم يقتلها أقوى السموم.
بدأ المدير الناجح بصلي أفخاخ كبيرة.. وصار يحدث أن يقع بعض الفئران فيها في الفخ… لكن إذا وقعت خمسة فأرات في الفخ ليلاً… فإنها تلد ما لا يقل عن عشرين أو ثلاثين فأرا في النهار.
وفكر المدير… اهتدى إلى طريقة فريدة: صنع ثلاثة أقفاص جديدة رمى في كل منها ما كان يقع من الفئران الحية في الفخ.. امتلأ كل قفص من الأقفاص بالفئران.. لم يقدم للفئران طعاماً أو أي شيء.. اختارت الفئران التي باتت على الطوى ثلاثة أيام خمسة أيام اختارت الفئران الأضعف بينها قطعتها أكلتها أشبعت بطونها.. وبعد وقت جاعت… بدأت تتصارع… وبنتيجة صراعها الدامي هذا… سطت على واحدة منها.. حنقتها قطعتها… أكلتها.. وهكذا أخذ عدد الفئران يتناقص مع مرور الأيام.. تبقى الفأرة الأكبر صاحبة العزم الأقوى وتتقطع الفأرات الضعيفات ويؤكلن.
تحولت الأقفاص المملوءة بالفئران إلى ساحات حرب حقيقية… بقي في كل قفص من الأقفاص الثلاثة ثلاث إلى خمس فئران … الفأرات الباقيات صرن يترامين على بعضهن ويتعاضضن.. قبل أن يشعرن بالجوع .. ذلك ان الواحدة منهّن اذا لم تفتك بلأخرى فإن الأخرى ستقطعها تقطيعاً..
لذلك صارت كل فأرة من الفئران من أجل حماية نفسها تستغل فترة نوم أو سهو الفأرة الأخرى لتنقض عليها وتخنقها وتقطعها… وأكثر من ذلك… صارت تتحد فأرتان أو ثلاث في كل قفص ويهاجمن أخرى.. وتلك المتحدة في المطاف الأخير… تتحاين الفرصة ليأكل بعضها الآخر.
أخيرا بقي في كل قفص فأرة واحدة: الأقوى الأذكى , الأكبر الأكثر صموداً…
عندما بقي في كل قفص فارة واحدة… فتح الرجل أبواب القفص وفلت الفئران الثلاثة داخل المخزن.. واحدة واحدة؟؟
بدأت تلك الفئران الثلاث الضخمة المغذاة… المتوحشة المعتادة على أكل بنات جنسها تنقض على فئران المخزن.. مهما بلغ عددها تخنقها وتقطعها وتلتهمها.. ولكونها توحشت… صارت تأكل ما يؤكل من الفئران وتقتل الباقي من أجل حماية نفسها.. كيلا تخنقها وتلتهمها الفأرات الأخريات…
وهكذا وخلال مدة قصيرة… تخلص المخزن الآنف الذكر من الفئران.
صحيفة الإنتباهة
عزيز نيسن
ع.ش