فدوى موسى

ريحة البن!

ريحة البن!
[JUSTIFY] بعد مضي زمن من العلاقات الإنسانية الطيبة مع الجيران والأهل والأصدقاء.. قرر «عبدو» البعد عن الناس والاكتفاء بالقاء التحايا والسلام عليهم دون الولوج في تفاصيلهم أو تفاصيله.. لم يكن قراره إلا نتاج صدمة في أقرب الأقرب عندما ظنوا به ظن السوء لم يحتج على وصفه ببعض الألفاظ النابية، لأنه كان يعرف قدر نفسه.. احتمل التجريح منهم وأقصى ما صنعه حيال هؤلاء هو تبادل الابتسامات الباهتة معهم، ثم مضى في حال سبيله.. حاولوا اقتحام جدولة حياته لكنها كانت جدولة صارمة لا تلقي بالاً للأفراح لكنها ترفع الأيدي في العزاء.. في حديثه المتواصل مع نفسه التشدد في قفل المعابر أمام اي اختراقات.. لم يعد يؤمن بالصداقة والأصدقاء فقد جعله أصدقاؤه مسخة بين الناس، حينما كان يبثهم أسراره.. أقرانه كانوا يعالجون الأمر بشيء من السخف ملبسين هذه الصراحة والفضفضة منه ثوب الهزل.. أحجم عن كل تلك العلائق حتى أنه يكاد لا يسمع صوته إلا في عبارات محددة «السلام عليكم.. عليكم السلام.. البركة فيكم.. كل عام وأنتم بخير.. شكراً.. عفواً» آخر ما توصل إليه الانتقال من الحلة و«الشمار» الى منطقة جديدة تكاد تكون محلية، خاصة بالأجانب من أحد دول الجوار الافريقي.. عسى ولعل يصرفهم عدم التواجد بأوطانهم عنه.. لكنه لم يفلت كثيراً.. فهذه الأجنبية بدأت ترسم عليه خيوط الإيقاع.. تتعمد كل يوم أن تصادفه عند الخروج من المنزل.. «لولا» سمراء مكسوة بسحنة الجمال.. «عبدو» الوحيد الفار من الناس أملاً في حياة «بلا ضرر ولا ضرار» تحقيقاً لمقولة «الباب البجيب الريح.. سدو واستريح»، إلا أن ريح «لولا» عاتية.. خلال ثلاثة شهور أصاب «عبدو» السهر وعد النجوم.. أصبح لا يطعم إلا طعام لولا.. ولا يهوى إلا «الجبنة» ولا يفهم الا لسان «لولا» وأهلها.. استطاعت السمراء أن تخترق جداره العاصية، وتخترق حواجزه الأمنية المتينة، وتسجل دخولاً لأيكونة حياته الغريبة الأطوار.. «عبدو» هذه الأيام يستعد للزواج بها.. يشتري الشيلة من محلات وأسواق الديم، ويفاوض صاحب منزل في الجريف غرب لتأجير غرفة ومطبخ ومنافع وفسحة بأقل ما يمكن.. صاحب المنزل يرى لو أنه تفاوض مع «لولا» أفضل له من التفاوض مع «عبدو» ود البلد.. التراسيم والتواشيح تعد له من قبل أهل «لولا» المصطنعين «تركيباً» في الحي.. حيث لا صلة تربطهم بها سواء الالتقاء في الجنسية لتلك الدولة، «إياك اعني يا جارة».. حيث جاءوا معها أو جاءت معهم في رحلة خارج نطاق القانون عبر الحدود وسلسلة من برنامج تهريب منظم.. قننت أوضاعها وهي الآن تستعد لتصبح «مدام عبدو».. بمؤهلاتها المعروفة.. جميلة.. أنيقة.. لبيسة.. تجيد الطبخ وعمل القهوة والشاي وتتماهى مع ظروف تواجدها في هذا البلد.

آخر الكلام:- لم يكن «عبدو» يعتقد أن مهمة إبلاغه لأهله بزواجه من لولا مهمة قاسية لهذا الحد، إلا حينما فاجأته والدته «بانها سوف تقوم بقطع ثديها إن تزوج بائعة الشاي الأجنبية..» لكنه مضى لا يبالي إلا بما تهوى نفسه من رائحة البن.
[/JUSTIFY] [LEFT]مع محبتي للجميع[/LEFT]

سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]