د. عبدالوهاب الأفندي : الحل في السودان يبدأ من الجامعة
(2) المفارقة المؤلمة أن هذه المأساة التي ساهمت مع مثيلات لها كثر- في تعطيل مهام الجامعة، نجمت عن الجانب الآخر لجامعة الخرطوم، وهو موقعها كساحة تجاذب بين التيارات السياسية. وهذه الوظيفة للجامعة لا تقل أهمية عن وظيفتها الأساس كصرح علمي. فلا فائدة لعلم يعزل الطالب عن مجتمعه، ومن لم يهتم بأمر الأمة فليس منها. فالطلاب الذين ينشغلون بالعمل السياسي يضحون بكثير من وقتهم وجهدهم، أحياناً على حساب تحصيلهم الأكاديمي. وما تشهده أركان النقاش الجامعية وغيرها من ساحات التنافس السياسي هو أفضل تدريب للطلاب على القيام بأدوارهم المرتقبة في الحياة العامة.
(3) إلا أن المؤسف هو أن قلة من الطلاب لا تؤدي هذا الدور بحقه المتمثل في جعل الجامعة المكان الأصيل لمقارعة الحجة بالحجة. ومن قصرت به حجته عليه أن يفعل ما يفعله من لم يوفق في الامتحان: العودة إلى صومعة الدرس والاجتهاد في تلافي مكان تقصيره. إلا أن البعض للأسف، يلجأ للعنف لإسكات من حاججه بالقول، فيكون ما شهدناه من مآسٍ وكوارث خلال الأيام الماضية.
(4) كثيراً ما اتهم الإسلاميون بأنهم وراء العنف الطلابي، وفي هذا جانب من الحقيقة، ولكن الآخرين مذنبون بنفس القدر. يكفي أن نقول ان المأساة التي أشرنا إليها في مطلع هذا المقال كان المجرم فيها من خصوم الإسلاميين. ولكن هذه ليست القضية، وإنما المطلوب من الجميع هو احترام الحرم الجامعي كما يحترم الحرم المكي، وإبعاده عن العنف والصراع غير الفكري، حتى يؤدي الحرم الجامعي دوره المنوط به. فهناك ما يكفي من ساحات الاحتراب في السودان، ومن أرادها فهي لا تخفى عليه.
(5) ما شهدته الجامعة خلال الأيام الماضية من عنف وعدوان أدى إلى حرق بعض مرافقها، ثم لإغلاقها للمرة الثانية خلال هذا العام بعد ما سبق من عنف، ليس له مبرر على الإطلاق. ليس هناك عذر لمن ساهم فيه، سواءً أكان من العناصر الطلابية أو إدارة الجامعة أو الشرطة أو بقية أجهزة الدولة. وتقع المسؤولية الأكبر على من بادر بالعنف، ولا بد من اتخاذ إجراءات ضده، ليس فقط من قبل إدارة الجامعة والأجهزة العدلية، ولكن كذلك من قبل المجتمع بكامله الذي ينبغي أن يرفض ويدين ويلفظ من تولى كبره.
(6) في الكتاب الذي أصدره مركز الجزيرة للدراسات نهاية العام بالماضي بعنوان دارفور: حصاد الأزمة بعد عقد من الزمان بمساهمة نخبة من الأكاديميين والخبراء السودانيين والأجانب، تمت الإشارة إلى دور المكون الشبابي في دارفور، ودوره المتعاظم في تشكيل ردود الفعل الدارفورية للأزمة. وكان هناك تركيز على دور إعادة تقييم هذا الدور باتجاه إشراك الشباب في مسارات الحل المختلفة.
(7) وغني عن القول أن هذا الدور لا ينبغي أن يكون تكراراً لما تقوم به الحركات المسلحة، وإلا فما الفائدة؟ وكنا قد أشرنا في
الكتاب إلى أن أهم مركبات العنصر الشبابي هي الطلاب، سواءً أكان ذلك في المعسكرات أم في الجامعات والمدارس. وهذا بدوره يؤكد ضرورة أن تكون المساهمة الشبابية فكرية وسياسية واجتماعية في الأساس، بمعنى أن يكون الدور هو التعبير بصورة أفضل عن آلام وتطلعات أهل دارفور، والاجتهاد في توحيدهم، وكذلك إقناع المتشككين بعدالة القضية، وتوسيع الدعم لها.
(8) من هذا المنطلق فإن الجامعة يجب أن تكون أبرز الساحات لهذا الدور. ولا ينبغي أن يقلل وجود استقطاب حاد بين طوائف الرأي في الجامعة من هذا الدور، بل ينبغي أن يعززه. فإذا كان هناك حديث متكاثر هذه الأيام عن ضرورة الحوار بين أطياف الرأي السياسي في السودان، فإن جامعة الخرطوم وغيرها من مؤسسات التعليم العالي يجب أن تعتبر بالتوافق بين كل التيارات السياسية داخل وخارج الجامعة- حرم سلم وتداول سلمي للرأي.
(9) المطلوب هو إذن وهذا أضعف الإيمان- بناء توافق حول تحييد الحرم الجامعي في الصراعات وتحصينه من العنف، بدون أي استثناءات. يجب أن تصدر كل الحركات السياسية تعهدات أحادية (فليس هناك حاجة لحوار وتفاوض حول هذا الأمر) ترفض كل من يبادر بالعنف والتبرؤ منه. كذلك ينبغي تشديد العقوبة على كل من يبادر بالعنف وأن يتم فصل كل من يتورط في ذلك، إما بصورة مؤقتة أو نهائية حسب عظم الجرم. فليس من العدل أن تحرم الغالبية المسالمة من ممارسة نشاطها العلمي بسبب قلة من المشاغبين.
(10) أكتب هذه الملاحظات من ريو دي جانيرو عاصمة البرازيل، حيث أشارك في مؤتمر نظمته الجامعة الكاثوليكية حول الهوية والصراع في الساحة الدولية المعاصرة. وكان أول المشاركين متحدث باسم الأقلية السوداء في البرازيل، بدأ بالقول بأنه سليل رجل خطف من افريقيا قبل مئات السنين وأجبر على العمل في ظروف تشبه معسكرات الاعتقال لصالح المهاجرين البيض. وبعد أن فصل المشاكل التي يواجهها السود والسكان المحليون على يد الدولة، خلص إلى أن هناك عنصرية مؤسسية في الدولة البرازيلية، وأن حكم القانون بالنسبة لهذه الطوائف هو أسطورة لا صحة لها. وختم بأن دعا الشباب السود إلى اليقظة والنضال. عندما فرغ، صفق له الحضور طويلاً، ومعظمهم كان من الطلاب والأساتذة البيض.
(11)ما أريد أن أقوله هو أن أوضاعنا ليست أسوأ من أوضاع أقليات البرازيل، وجامعاتنا لا يجب أن تكون أقل شأناً من الجامعة الكاثوليكية وغيرها.
القدس العربي
د. عبدالوهاب الأفندي
وهل تذكر ان الاسلاميين بالتحديد تنظيمك( الجبهة القومية الاسلامية بقيادة الشيخ حسن الترابي ) هي سبب كل الكوارث في السودان اليوم؟
كلام جيد , فكل العقلاء يقولون : إنه يجب أن لا تكون الجامعات مكاناً للصراع الحزبي العنيف , وفي الحقيقة إن العنف في الجامعات سببه الأحزاب العقائدية التي تتوارى خلف الطلاب وتتخذهم مطية لتنفيذ أجندتها البائرة خارج الجامعة والحقيقة أيضاً أن طلاب هذه السنين ليسوا بالمقدرة الذهنية والعقلية الشاملة التي تمكنهم من تقدير ما يدور في البلد من أحوال وبالتالي لا يمكن أن يعطوا تقديراً(evaluation ) سياسياًمعقولاً ويتصرفوا على أساسه وعليه, فمعظمهم غير مسؤولين جنائياً عن أفعالهم لأنهم لا يدركون نتيجة تصرفاتهم المخالفة للقانون والمطلوب الآن هو أن ترفع هذه الأحزاب أيديها الآثمة عن الطلاب وعن الجامعات حتى يتجه الطلاب إلى ما ندبهم إليه أهلوهم وأولياء أمورهم الذين ينتظرونهم بفارغ الصبر حتى يتخرجوا, وينفكوا من رقابهم ومسؤوليتهم ومتابعتهم والإنفاق عليهم ومن همّ متابعتهم في دراساتهم الطويلة والمملة , أما إذا كان لابد من عمل سياسي أو حزبي داخل الجامعة فليكن في دار الاتحاد أو في النشاط ومن دون مكبرات صوت وبطريقة سلسة وبالكلمات فقط دون اللكمات , ومن دون تدخل من الأساتذة في الجامعة , ويمكن أن يوضع نظام شامل ودقيق ويوقع على الالتزام به كل طالب يقبل في الجامعة , كل ذلك من أجل تجنب هذه الفوضى والعصابيات والشد والتقاتل والاحتكاك العنيف الذي عطل الغرض الذي من أجله تنشأالمعاهد العالية ودور العلم وأرجو أن تفكونا من النغمة المكرورة التي سمعناها طويلاً من أن الجامعات هي حاضنات سياسية وتخرج القادة المعدين سياسياًوالمدربين وأن معظم الذين في السلطة الآن وفي السابق هم من قادة اتحادات الطلاب ..إلخ فالجامعات دور علم وبحوث ومعرفة وليست بالضرورة أن تكون بؤراً للأحزاب واختلافاتها السياسية وتقاتلاتها وطرح رؤاها التي كسدت في الشارع وفي المجتمع خارج اسوار الجامعات , وأخيراً فإن أمرنا لا يشبه البرازيل في شيء ولا نريد أن نقتدي بالجامعة الكاثوليكية التي أُسست بواسطة المستعمرين الأسبان الذين استعمروا البرازيل وقتلوا هنودها !! ولكننا نريد أن نعرف من البرازيليين كيف خرجوا من أكبر دولة مدينة (مديونة ) في العالم إلى اقتصاد مزدهر يتقدمه كما أظن البن ومصانع السكر , وإلى دولة تتقدم العالم في مجال كرة القدم التي أصبحت (بزينيس ) وبها أغنى أغنياء العالم وهو من أصول لبنانية !!