تحقيقات وتقارير

بين نهلة محمود.. و”بيتش بري”.. وهشام آدم تحركت الكثير من “التابوهات” وغمرت موجاتها الشطآن والحصون المجتمعيّة.. المسلَّمات الدينية السياسية

[JUSTIFY]لا حديث للمنابر والشارع ومواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام سوى الحكم بإعدام الدكتورة مريم يحيى بتهمة الردة وهي حُبلى في شهرها الثامن. واقعة أخرى تضفي مزيداً من الزخم على المشهد الماثل، وتفوق وقائع أخرى عن تنامي عرش الملحدين السودانيين، لكن الأخيرة ليست ملحدة، وإنّما متّهمة- أو قل مدانة- بالردة عن الدين الإسلامي، واعتناق المسيحية، وقد جرت محاولة لاستتابتها كما رشح من معلومات، على يد الشيخ جلال الدين المراد. ورغم أن مريم الطبيبة نفت إسلامها بالأساس وقالت إنها مسيحية منذ نعومة أظافرها، ولدت لأب مسلم وأم مسيحية إلا أن حكايات الردة والإلحاد بدأت تطوق المسامع على نحو لافت في السنوات الأخيرة.

تداعيات قضية مريم استدعت قلق السفارات الغربيّة، وشغلت الناس ما اضطر الإمام الصادق المهدي وسط كوم أزماته السياسية المتلاحقة هذه الأيام إلى إصدار بيان صحفي يندّد فيه بالحكم، ويطالب بمراجعة القانون الجنائي ليتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، وإيقاف ما أسماه بالحكم الجائر.. الترابي أيضاً لديه رأي مثير للجدل.

“بيتش بري”

ثمة حكاية أخرى يشوبها غموض كثيف، ضحاياها أسرة عراقية عاشت في السودان. تقول الرواية والتي يحكيها الأستاذ فارس المهداوي، وهي أقرب للخيال، إن الأسرة خرجت للتنزه في بيتش بري ذات نهار، ومعهم ابنتهم الصغيرة، ولكن شاء القدر أن تغرق ابنتهم في النهر، استمر البحث لأيام دون العثور عليها. الأم المكلومة رفضت تلقي العزاء بذريعة أنّ ابنتها لا زالت على قيد الحياة، وأن قلبها يحدثها بذلك. بعيد أشهر من تلك الفاجعة وقبل أن تجفّ الدموع في المآقي فوجئت الوالدة بمكالمة هاتفية، تفيدهم بأن ابنتهم حية، وتوالت المكالمات لتقودهم إلى مكان اختفائها، وهو كنيسة في سنار – بحسب الوصف الجغرافي- فيما جرى الحديث بأنّ البنت تنصرت. لا أحد يعلم بقية الحكاية الميلودراميّة، ولكنها تنذر بتحول نوعي في قضية التبشير إذا صدقت بالأساس.

وحكاية نهلة

بالطبع مريم ليست وحدها، فقد سبقتها من قبل نهلة محمود، والتي أثارت قضيتها ردود أفعال مهولة.. نهلة شقت طريقها نحو بريطانيا بصعوبة وطلبت اللجوء، وهنا قدمت الطلب على اعتبار أنها “كافرة” و”مرتدة” عن الإسلام، وتخشى على حياتها إن عادت إلى الخرطوم.. كثير من الملابسات أحاطت بقصة نهلة، والتي ظهرت في مقطع فيديو مسجل، وهي تمارس طقوساً إلحادية، لكن نهلة -بخلاف مريم- فقد أقرت بأنها ارتدّت عن الإسلام لقناعات فكرية لحمتها وسداها أن الشريعة، كما ادّعت، تنتقص من حقوق المرأة وكينونتها. إذن نهلة تغيّر ديانتها بذريعة الاضطهاد وتهاجر بعيداً، وتتمسّك بالبقاء هنالك، لأنّ عودتها تعرضها لتحكيم الحدود.

شباب ملحدون

ظاهرة الإلحاد هي الأخرى بدأت تستشري بشكل متفاقم وتتسع كدوائر الماء، فثمة من يجادلك بالأرقام والوقائع الماثلة فقط ولا يبالي بالغيب، وتلك هي على الأرجح، مصدر قوته، على مقربة منه تنتصب فتاة تؤمن بما يؤمن به صديقها، تحسس دماغك وحدق في تقاسيم وجهها، هي سودانية كاملة الدسم، في معيتها أيضاً شاب يمشط شعره ويحدث الناس عن الوحش السماوي، لو نعته بالملحد فلن يغضب منك، أنت وصفته بما يفخر به.. فيا للهول.!

ثمة رفاق يقاسمونهم الانتماء، في الأزقة الضيقة وفي الشوارع المفتوحة وفي منتديات التواصل الاجتماعي، فجأة تخلقت طبقتهم من وحي فلسفة ما، في الواقع ليست لديهم الجرأة للقول بأنهم ملحدون وحسب، ولكنهم يستميتون في الدفاع عما يعتقدون أنه هو الحق، مجموعة (سودانيون لا دينيون).. منتدى (الصدفة والعدم) وما تحت السواهي يتعذَّر رصده، حتى إن والي سنار الحالي أحمد عباس خرج بتصريح صحفي قبل أشهر وحذّر من تمددهم، موجة الرعب غمرت الجميع عندما صدر كتاب مثير للجدل يعبر عن تلك الفئة تماماً ( نبوة محمد.. الصناعة والتاريخ) للدكتور محمد محمود أستاذ الأديان المقارنة بجامعة الخرطوم، والمهاجر حالياً.

أوبة هشام

قبل سنوات ضجت أروقة منتدى (سودانيز اونلاين) بالصيحات واللعنات، لأن كاتباً روائياً شاباً قال إنه ملحد وعلى استعداد لمجادلة كل من يظن أنه على باطل، هشام آدم المولود بالقاهرة في العام (1974) خطف الأضواء بتلك المخالفة قبل أن يعلم الناس فيما بعد أنه كاتب وروائي وناقد سوداني، صدرت له من قبل روايات: (إرتكاتا، السيّدة الأولى، أرض الميّت وبتروفوبيا)، واشتهر أكثر برواية (قونقليز) الممعنة في المسكوت عنه، والتي حازت في العام (2010) على جائزة الطيب صالح. هشام أكثر جرأة ولا يتمثل تقية ما تجنّباً لعزلة المجتمع، لكنه في الفترة الأخيرة بدا أقل تطرفاً في دعوته للإلحاد، وأشيع عنه أنه عاد للإسلام.

مواقع سودانية

المشهد البارز فتح العقول على الأسئلة في مكان أخرى، وقد انتفض آلاف السودانيين لجمع توقيعات تطالب إدارة (الفيسبوك) بإغلاق صفحة (سودانيون لا دينيون)، البالغ تسجيلات إعجابها عشرات الآلاف، وعندما لم تستجب إدارة (الفيسبوك) لطلب المنادين بإغلاق الصفحة، أنشأ المعترضون صفحة موازية، وأطلقوا عليها اسم (سودانيون مؤمنون بالله). الظلال السياسية كانت حاضرة في رفض سيطرة الأحزاب الدينيّة على الدولة، ولكن الأسماء التي تدير المجموعة الأولى ليست معروفة، ولا حديث حولها يجدر ذكره، رغم أنّ الدعاية المضادة فُتلت على جديلة المؤامرة اليهوديّة، ولكن البعض كان يسخر من ذلك، فاليهودية ديانة أيضاً.!

الرسومات التي تزين الصفحة في الغالب رسومات لأهرامات سودانية، رغم أن المجموعة في بيانها التأسيسي قطعت بمقصدها في هدم الخرافات، وغير بعيد عن ذلك صبغة النقد البائنة للديانة الإسلامية، دون سواها، ما أفقد المجموعة حياديتها، أو على الأقل، وقوفها في منطقة واحدة من كل الأديان السماوية.

الكتاب الضجة

الواقعة الأخرى الأكثر عمقاً وارتكازاً في نقد الحقائق التاريخية المعروفة بالضرورة هو صدور كتاب الدكتور محمد محمود، ذلك الرجل الغامض الذي لم يكن معروفاً في سوق التأليف من قبل، وهو أكاديمي وباحث وكاتب، عمل بالتدريس في كلية الآداب بجامعة الخرطوم، ومعهد الدراسات الشرقية بجامعة أوكسفورد، وجامعة “تفتز” بالولايات المتحدة. حيث كان رئيساً لقسم دراسات الأديان المقارنة. نشر الرجل العديد من الأبحاث، من أهمها دراسته الرائدة عن فكر المفكر الصوفي السوداني محمود محمد طه. الكتاب المثير للجدل تم تناوله بشكل موسع في المواقع الإلكترونية ما بين المؤيد والمعترض عليه بالأساس، ولربما يندهش البعض عندما يعلمون أن الذين وصفوا أنفسهم بالملحدين أشهروا لافتات مطلبيّة، تنادي بضرورة حمايتهم وحصولهم على كافّة الحقوق، وإقامة مدارس لا دينيّة، والسماح لهم بالتبشير بأفكارهم.. قد يبدو- بالنسبة للبعض- ومن خلال تلك المطالب أنّهم يرغبون أيضاً في لعب دور سياسي معين.

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]

تعليق واحد