جعفر عباس

طموحات وطلبات متواضعة

طموحات وطلبات متواضعة
[JUSTIFY] في ما مضى كان «الإنشاء» نشاطا مدرسيا يبرع فيه أقلية من الطلاب، وكانت مواضيع الإنشاء هي، هي، من المحيط إلى الخليج: ماذا تريد ان تصبح في المستقبل؟ وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام،.. كيف قضيت عطلتك الصيفية؟ ماذا تفعل لو هبطت عليك ثروة ضخمة؟ الأم مدرسة إذا أعددتها.. وكان الطالب الذي يحصل على تقدير «ممتاز» هو الذي يحسن استخدام المعلبات من محسنات بديعية ويتلاعب بالألفاظ مجاراة لابن العميد أو ابن النقيب أو ابن وكيل العريف! وفجأة صار الإنشاء نشاطا للكبار، وصارت العواصم العربية تتبارى لعقد منافسات في الإنشاء يشارك فيها الكبار بل الكبار جدا، أي ذوي الألقاب الرنانة الطنانة، وبنفس طريقة المدارس التي ظلت فيها مواضيع الإنشاء ثابتة ومكررة منذ بدء التعليم النظامي، فإن الكبار يشاركون في مسابقات «إنشاء» عناوينها واحدة حتى وإن تنوعت واختلفت مفرداتها، وحتى لو عقدت تحت مسميات تجنن وتهبل مثل منتدى ومؤتمر ومنبر وورشة عمل.. والصرعة في منافسات الإنشاء التي تنظمها مختلف العواصم العربية هي استشراف المستقبل العربي.. مما يجعل الكلمة الانجليزية أوكسيمورون noromyxo تقفز إلى الذهن (تعني الجمع بين معنيين متناقضين): المستقبل.. العربي؟ ما يصير! كيف يجتمع النقيضان؟ والمثل الخليجي يقول «اللي ما له أول ما له تالي».. يعني اللي ما له حاضر ما له مستقبل، ودعامات وأسس المستقبل لابد ان تكون متوافرة في الوقت الراهن والحاضر وإلا سنظل كما نحن نعيش على ذكريات الماضي «التليد»، ونتناسى حاضرنا البليد.. المستقبل يحتاج إلى بنى أساسية: علم وتنوير وخطط ونشاط جماعي.. ومن حاضره تعس بائس، فإن مستقبله سيكون أكثر تعاسة وبؤسا! باختصار لا أرى داعيا للحديث عن المستقبل من خلال المنابر العامة او الخاصة.. شخصيا لست معنيا بالمستقبل وأعرف أن معظم المواطنين العرب لا يشغلون أنفسهم به.. ما يهمني هو أن أشعر أنا ومن حولي بالأمن والأمان وراحة البال وأن نحصل على نصيب طيب من التعليم والرعاية الصحية وأن تكون لنا كلمة في كل شأن يخصنا.. نريد ذلك الآن، والمسألة لا تحتاج إلى ندوات ومحاضرات،.. لو ضمنا تلك الأشياء فسنضمن ان مستقبلنا ومستقبل أحفادنا سيكون أفضل من حالنا الراهن! دعونا نطرح الأمر بشكل مبسط: هنالك عائلة تتألف من زوج وزوجة وبعض العيال.. الزوج متسلط او مستهتر او يتسم باللامبالاة، وطلباته أوامر وكلامه «ماشي» حتى لو كان على خطأ.. ويا ويل من يتجرأ على الاعتراض على كلامه.. ما مستقبل عائلة كهذه؟ قد ينشأ الأولاد على شاكلته ويجارونه في الفظاظة والغلظة عندما تصبح لهم زوجات وعيال.. وقد يكبرون ويتمردون على الأب ويجنحون بالهرب من الواقع إلى دنيا المسكرات أو المخدرات، والزوجة نفسها قد تجنح وقد تتمرد وخاصة إذا لمست فيه ضعفا.. والتمرد ليس بالضرورة عملا محمودا، فيا ما تمرد أفراد وجماعات وانساقوا في نفس الطريق الذي خرجوا منه، ورافضين له.
ارحمونا من الحديث عن المستقبل والأجيال الصاعدة، لأنكم تعرفون أن تلك الأجيال بدأت سلفا في «الهبوط» والانحدار.. أريد خبزا وشرابا خاليين من الملوثات، وسقفا يستند إلى جدران غير آيلة للسقوط، وكتابا وجريدة تقول الحقيقة، وطبيبا يستقبلني لأنني آدمي وليس لأنني ولد فلان.. أريد شرطيا يعطيني الإحساس بالأمان وليس الخوف عندما يكون قريبا مني،.. هل هذه تحتاج إلى ندوات ومنتديات؟ يعني لو أصلحنا حال «الحاضر» فإن المستقبل سيصلح حال نفسه وحالنا معه.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

تعليق واحد

  1. [SIZE=5][FONT=Simplified Arabic][B]لن تحصل على هذه البديهيات فى العالم العربي رغماً عن أنها حقوق أصيلة لكل كائن حي ناهيك عن الإنسان هنا تجد الإهانة من كل من حولك إلا من رحم ربي … نسأل الله السلامة .
    دائماً مميز أستاذنا القدير أبو الجعافر[/B][/FONT][/SIZE]