منوعات
أغنياته ومارشاته وألحانه: الجيش السوداني.. عنصر فاعل في جيوش الحلفاء
ورغم ضيق وقلة وسائل الإعلام في ذلك الوقت، إلا أن المواطن السوداني العادي كان يتابع أخبار معارك وانتصارات قوة دفاع السودان التي عقد عليها حلم تقرير مصيره، ولذلك كان الوقع عظيماً عندما انتصر الحلفاء في الحرب، ومن ثم منح السودانيين حق تقرير مصيرهم، فازداد اعتزاز الشعب بجيشه فنظم له عشرات الأغنيات ومئات الألحان التي خلدت في الوجدان منذ عشرات السنين.
العشق الأول
“بلغنا غايات آلمنا وأصبحت بلادنا مؤمن /جيشنا البلاد طمئنا أرتحنا وزال همنا/ زمانك قريب ما بعيد والتاريخ لنفسو بيعيد /القنابل تقذف تبيد والسوداني الموت عندو عيد”.
لو توقف نظم الشعر والغناء في تمجيد العسكرية وحب العسكريين على أغنية (عائشة الفلاتية) الموسومة بـ (يجوا عائدين) والتي يقول مطلعها: “يجو عايدين إن شاء الله عايدين يا الله/ يجوا عايدين بالمدرع والمكسيم”، لأيقن المستمع أن الجندي السوداني هو العشق الأول للشعب، وعليه سيبقى واحة للعشق تأوي إليها الأفئدة كلما تعبت من الترحال بين فنن الجمال تمثلاً ببيت الشعر القديم: “نقل فؤادك من الهوى حيث شئت / ما الحب إلاّ للحبيب الأول”.
دمعي أنهمر
وأغنية (يجوا عائدين) التي ظلت وعلى مدى أكثر من ستين عاماً تحلق بكل من يستمع وترفعه على أسنة الرماح وتجعله يجابه المدافع بصدره عارياً، حملت معاني ومضامين لم تضعفها أو تغير من قيمتها السنوات، فهي من الأغنيات القليلة التي بقيت خالدة تنضح بتوسلاتها وعاطفتها الجياشة: “قلبي انفطر/ دمعي انهمر/ الليلة السفر أبقى قمره جوه القطر”. و(الفلاتية) التي غنت في جبهات القتال، استطاعت بهذه الأغنية أن تلهب الحماس وتحرك المشاعر وسط المقاتلين وهي تتغنى لكل منهم بلسان أنثاه: “الفراقك صعيب ما حضرت ليالي العيد/ يجو عائدين إن شاء الله منصورين”.
وتختم بجسارة عرفت عنها معلنةً أمانيها بالنصر الذي لا يأتي إلا إذا بذل الجندي روحه رخيصة من أجله: “يجو عائدين ضباطنا المهندسين/ يجو عائدين الفتحوا كرن باينين”.
أسود بأس !!
لم تكن الفلاتية وحدها من تغنت للعسكرية، وإنما كانت بجانبها أصوات ندية وطرية، ظلت تمجد الجندي السوداني الذي أثبت جسارته في كل الحروب التي خاضها داخل وخارج السودان منذ أول مشاركة له في حرب القرم(1854-1856م) بين تركيا وروسيا وقبلها حروب (محمد علي باشا) بين سوريا والأناضول عام 1831م. وأعقبت تلك الحقبة الكثير من الأغنيات التي أشادت بهولاء الفرسان وانتشرت في بيوت الأفراح منها أغنية “لحبيبي بنادي يا ضباط الجبل ويا طلبة الوادي” وغيرها من الأغنيات.
شعراء في معترك العسكرية
لم يتوقف الغناء للجندي السوداني على الأصوات الغنائية فقط بل هناك شعراء كبار تغنوا بمحاسن المقاتلين ومن هولاء الشاعر الفذ (إدريس جماع) الذي كتب نشيد (لحن الفداء) جاء فيه: “إذا ردد القوم لحن الفداء/ وثبنا سراعاً وكنا صدي/ سرنا صفوفاً نلاقي الردي/ ولو كان حوض الردي موردا/ أعاهد قومي وهذي يدي على أن أزود وأن أفتدي/ حماي المقدس من مولدي حرام به قدم المعتدي”.
و(جماع) الذي تحدث بلسان الجندي، أظهر الشجاعة التي تجعله يلاقي الردى ولا يبالي إيفاء بالعهد الذي قطعه بأن يزود عن حياض الوطن ويفديه بروحه، يعود ليؤكد أن هذه الشجاعة ورثها عن أجداده لذا يكفيه فخراً بأنه جندي:
أبناء سرحتها
ومن داخل المؤسسة العسكرية هنالك عشرات الشعراء الذين تغنوا لها ولمجدها منهم الصاغ (محمود أبوبكر) صاحب صه يا كنار، عندما شارك في الحرب العالمية الثانية في شمال أفريقيا فكتب أغنية (زاهي في خدرو) التي غناها الفنان (أحمد المصطفى) للجنود في خطوط القتال وفيها: “زاهي في خدرو ما تألم / إلا يوم كلموه تكلم حنٌ قلبو دمعو سال/ هف بى الشوق قال وقال/ قالو ليهو القطر تقدم / والكفرة نيرانا زى جهنم / حنٌ قلبو دمعو سال”. ويصف الصاغ محمود حال محبوبته عندما علمت أنه ذاهب للحرب في الجبهة الشمالية ذات المناخ الحارق في الصحراء الليبية “كنت تعلم كيف جهنم بتحرق الجنب الشمال/ كلموهو الموهو علموهو الانفعال”.
صحيفة اليوم التالي
أ.ع
انتهي الجيش منذ 25 عام.الان الجنجويد هم المسيطرون علي الوضع وما بقي من جيش عبارة عن تحصيل حاصل.