تحقيقات وتقارير

لا تخطئوا باختزال “القوى السياسية” في الأحزاب فقط.. إذا لم تكن قد سمعت بكيان “القوى الاشتراكية” قط فقد ظهرت أخيراً لتباهى بزخم الستينيات

[JUSTIFY]لعلك لم تسمع بكيان “القوى الاشتراكية” قط. بيد أن الكتلة السياسية المنسية في أحياء بري بالخرطوم، ظهرت أخيرا تتباهى بتاريخ ممتد منذ الستينيات في العمل السياسي. صحيح، بدت القوى الاشتراكية واجهة للحزب الشيوعي السوداني، بطريقة ما، لكنها مع ذلك احتفلت في الندوة التي أقامتها أمس الأول (السبت) بمجهودات حرفيين ومهنيين، رجال ونساء من سكان بري، لا تربطهم علاقة مباشرة بالحزب الشيوعي، وقدمت الشهادات لرتل من النساء الراحلات اللائي نلن صيتاً حسناً بمشاركتهن في العمل التعاوني وبناء الكيانات المجتمعية الفاعلة، كما كرمت “القوى الاشتراكية” أمهات أخريات ظهرن متحمسات للعمل السياسي الجماهيري، وراغبات في حث الناس على التظاهر ضد الحكومة واسقاطها تحت لواء القوى الاشتراكية.

كانت الندوة في مجملها تشير إلى خطأ اختزال “القوى السياسية” في الأحزاب فقط، إذ أن في الشارع متسعا للفاعلين السياسيين.

وبالنسبة لوسيلات حسن فضل مثلاً، فإن القوى الاشتراكية تستند على إرث نضالي ضخم لمحاربة المد اليميني واقتصاده الطفيلي، ولها باع طويل في بناء المؤسسات الثقافية والمجتمعية والتعاونية، وغير ذلك من الجهد الجماعي الذي يعكس وحدة أهل بري حول مشروعاتهم المشتركة. وقالت وسيلات، وهي ممثلة القوى الاشتراكية في الندوة، إن القوى الاشتراكية نشأت ككيان سياسي إبان حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في العام 1965م، ومع ذلك كان لها نشاط مشهود في تشييد رياض الأطفال والمدارس والأندية، وتقول إن القوى الاشتراكية تمد يدها الآن لكل الأحزاب لاسترداد الحقوق وإنهاء ما تسميه بـ(عبث المؤتمر الوطني).

إلى جانب وسيلات امتدح كمال الأمين، وهو ممثل أحياء البراري، مواقف السكان هناك، وقال إنهم قدموا الشهداء والمناضلين من لدن عبيد حاج الأمين لغاية الشريف حسين الهندي والشاب صلاح سنهوري، ويعتبر أن فترة حكومة الإنقاذ هي الأسوأ بالنسبة لمنطقتهم، ويقول إن الحكومة المستندة على الإسلام السياسي تعمدت إهمال حي البراري وتعامل مع سكانه كمستوطنين يفتقرون إلى أبسط الخدمات الضرورية.

وشهدت الندوة التي قدم فيها مشروب الآبري المحلى بالسكر بعض المواقف الطريفة، من بينها أن المواطن السبعيني مختار عبيد صعد المنبر ليمتدح أنداده المناضلين، وخص منهم الراحل محمد إبراهيم حتيكابي، وقال إنه هو هدية حتيكابي إلى أهل بري، ثم سطا مختار على الندوة كلها وأعلن نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة.

بالطبع، لم يتجاوز المتحدثون في الندوة التي أقيمت في بري ذكرى الشاب صلاح الريح سنهوري الذي راح ضحية هبة سبتمبر الماضي، وقال عمه الشيخ الريح السنهوري إنه يدعو باسم صلاح إلى انتفاضة رابعة في السودان، على غرار ثورات سابقة، تطيح حكومة المؤتمر الوطني.

وكان جو الندوة مشحونا ضد الحكومة للدرجة التي انفعل فيها رئيس حزب المؤتمر السوداني، إبراهيم الشيخ، وتوعد برجم أي من الحضور لو قال إنه منتم لحزب المؤتمر الوطني، وقال الشيخ إن أفعال المؤتمر الوطني لا تغري أحدا بإعلان الانتساب إليه، ومضى ليكشف عن وزراء في الحكومة قال إنهم عرضوا أراضيهم للبيع بعد محاصرتهم بقضايا الفساد.

رئيس المؤتمر السوداني يقول إن في صمت بعض الشيوخ والمفكرين إزاء قضية ردة مريم يحي هذه الأيام دليال على تماهيهم مع سياسات الحكومة. ويقول: “ما الذي أسكت بعض الشيوخ والمفكرين ومنعهم من التحدث في قضايا هم من عرفوا بالحديث حولها دائما”؟ ويؤكد إبراهيم الشيخ أن ثمن الصمت هو وحدة مصيرية لأولئك الشيوخ مع الحكومة، ويقول إن الوقت قد حان لتحقيق نبوءة محمود محمد طه بحتمية اقتلاع جماعة الإسلام السياسي من السودان.

لعضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي، آمال جبر الله، قصص بشعة عن أوضاع النساء والأطفال في السودان بسبب سياسات الحكومة، وقالت إن هناك 6 آلاف طفل نازح بسبب الحروب، ويعتاشون على صناديق القمامة في الشوارع. وتشير جبر الله إلى أوضاع بالغة السوء يعيشها الأطفال إلى جانب الأمهات النزيلات في السجون، وتقول إن إدارة السجن لا تلتفت لأولئك الأطفال، وهم خارج حساباتها. ودعت النساء إلى تنظيم أنفسهن عبر برنامج لإنقاذهن وإنقاذ البلاد، وتقول إن دولة المواطنة لا تتحقق إلا عبر النساء.

وبالنسبة لممثل الحزب الشيوعي محيي الدين الجلاد فإن الأحداث أثبتت أن القضايا لا يمكن حلها بعيداً عن مشاركة الجماهير، وقال إن الندوة أعادت منابر قديمة للعمل السياسي.

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]