تحقيقات وتقارير

أنصار السنة أشواق التوحد وأشواك الطريق


[JUSTIFY]ربما لم تكن مشاركة أنصار السنة في الحكومة أمراً متوقعاً قبل عقد من الزمان باعتبار أن الجماعة عرفت بالتزامها الصارم بالدعوة والنأي عن معتركات السياسة ولهذا فقد ظلت في مأمن من بطش الحكومات والتضييق إلا في فترة محدوة إبان الإنقاذ قبل أن تتصالح معها وتشارك في السلطة تحت زعامة الشيخ الراحل محمد هاشم الهدية الأمر الذي أحدث شرخاً في جسم الجماعة فخرج منها شيخ أبوزيد محمد حمزة، وهو أمر لم يكن يتوقع حدوثه أي من المراقبين، إذ أن الشيخين الكبيرين يمثلان الأساس لقيام الجماعة وقيادتها التاريخية والكارزمية فكلاهما كانا من المنافحين للدعوة ووحدة الجماعة وأكثرهما بعداً عن الظلال السياسية المباشرة ومعتركاتها الميكفيلية، بيد أن العام «2000» شهد بداية الأزمة في صفوف الجماعة بسبب ما اعتبرته جماعة الشيخ أبو زيد من ضيق في مواعين الشورى وانعدام المؤسسية وانفراد نفر قليل بإدارة الجماعة، وبعد تفاقم الأزمة انعقدت العديد من لجان الصلح حتى بلغ عددها ثماني لجان بدأت منذ العام «2000» لكن التداعيات استمرت حتى أدت في النهاية إلى إقصاء الشيخ أبو زيد نائب رئيس الجماعة من منصبه في فبراير عام 2004 ثم اقصائه من الجماعة ومنعه من الحديث باسمها في العام «2005» فاجتمع الموالون لجماعة أبوزيد في العشرين من يوليو 2007 حيث تكونت جماعة موازية باسم جماعة الإصلاح بقيادة الشيخ أبوزيد محمد، وكانت مشاركة الجماعة في الحكومة مثار خلاف في داخلها، ففي حين يرى الرافضون للمشاركة أن ذلك من شأنه أن يجر الجماعة إلى معتركات السياسة بكل ما تحمله من أدران وصراعات تشغلها عن مسار الدعوة والإصلاح وبناء المجتمع المسلم على أسس من العقيدة الصحيحة وأن المشاركة ستكون خصماً على هذه المبادئ التي تواضعت عليها الجماعة منذ إنشائها، بينما يرى أنصار المشاركة أنها تتيح للجماعة حرية أكثر في الحراك الدعوي ميدانياً أو على صعيد الأجهزة الإعلامية المختلفة وسيشهدون برموز الدعوة الذين نالوا فرصاً مع التواصل الدعوي مع الجماهير من خلال الإذاعة والتلفاز، لكن بعض المعارضين بالرغم من أنهم يثمنون هذه الخطوة لكنهم لا يرون أن تحققها ينبغي أن يرتبط بالمشاركة في الحكم ولكن بإحداث تفاهمات ودية مع النظام سيما فإن الجماعة باتت تملك أوراقاً مهمة بعد أن تضاعفت أعداد مؤيديها في كافة قطاعات المجتمع ربما تشمل الحراك في الجامعات ودور الجماعة في الانتخابات في المستقبل القريب ويرون أن المشاركة في الحكومة لم تحقق مكاسب حقيقة للجماعة على الأرض كما أنها كانت خجولة على كل الأصعدة.

وهو اتهام شكل ضغطاً على الجماعة حتى من داخل أعضائها مما دفعها في العام 2008 أن تهدد بالانسحاب من الحكومة إذا لم يتم تفعيل مشاركتها في السلطة بما يحقق للجماعة مصالحها ويحل قضاياها العالقة معها، وقالت إن مشاركتها في الحكومة سواء على المستوى المركزي أو على مستوى الولايات ليست بالحجم المؤثر المطلوب، ولهذا فإنها تفكر في الانسحاب من الحكومة إذا لم يتم الاستجابة لمطالبها، بيد أن ذلك لم يشكل تحسيناً في حجم مشاركة الجماعة في السلطة حتى الآن ويبدو أن التصريح كان بغرض التنفيس من الضغوط الداخلية أكثر من كونه موقف حاسم.

هل يلتقي الفريقان؟
أمس الأول ذكرت صحيفة الوطن عن زيارة قام بها الرئيس العام لجماعة أنصار السنة (المركز العام) الشيخ د. إسماعيل عثمان للشيخ أبوزيد محمد حمزة رئيس جناح الإصلاح في منزل ابنه بمدينة حلفا وأشارت الصحيفة إلى هناك دعوات للم الشمل نادت بها بعض الجماعات السلفية بالمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج وأشارت أن الزيارة بحسب مصادر الصحيفة إلى أنها تدعم هذا الاتجاه وتهدف إلى تقريب وجهات النظر والعمل على توحيد الجماعة، وقالت إن الشيخ إسماعيل قال إن أسباب الانشقاق والخلاف كانت بسبب المشاركة في السلطة والعمل السياسي وبعض الخلافات حول مشاركة طلاب الجماعة في الجامعات المختلفة مبيناً أن أسباب الخلاف انتهت وأمَّن الشيخ على ضرورة توحيد الجماعة.
لكن بالرغم من أن شيخ إسماعيل قد ذكر أن المشاركة في السلطة هي أحد أسباب الخلاف فهو لم يشر إلى أن الجماعة قد قررت الانسحاب من الحكومة أو أن جماعة الإصلاح قد تجاوزت هذه النقطة وبالتالي فإن المشاركة في الحكم لن يتأثر بها اتحاد الفريقين من جديد.

أبعاد الوساطة الخليجية
بالرغم من أن الوساطة الخليجية ليست ذات طابع رسمي لكنها قد تثير بعض التساؤلات حول مدى تأثير هذه الخطوة على مدى علاقة الجماعة مع الحكومة وعلى نهجها وفكرها السياسي، خاصة فإن السعودية ودولة الإمارات في أعقاب تولي الإخوان المسلمون سدة السلطة في مصر عقب الانتخابات قبل أن يطيح بهم المشير السيسي فقد كانا ينظران بقلق لتجربة الإخوان وإسقاطاتها على المنطقة في دولة محورية مؤثرة مثل مصر.

إذ أن المعروف أن كلتا الدولتين يتوجسان من الإسلام السياسي لعدة اعتبارات أهمها هو تقارب الإخوان المسلمين مع إيران المعروفة بمذهبها الشيعي، كما أنها ترى أن الأسلام السياسي غير بعيد عن تصدير الثورات للمنطقة سيما في ظل قدرة حركة الإخوان المسلمين على التنظيم الجيد وانتهاج البرجماتية كمبدأ سياسي.

لكن لعله من المتوقع وأن تأثر التقارب بين التيارين المتخاصمين في جماعة أنصار السنة المحمدية بالوساطة السعودية أو الخليجية عموماً فإن من المستبعد أن تلعب الجماعة وإن توحدت دوراً مناوئاً للسلطة الحاكمة بطبيعة التركيبة الفكرية السلفية التي تنأى عن المعتركات السياسية سيما ضد الأنظمة الحاكمة، بيد أنه ربما أثر على استمرارية مشاركة الجماعة في الحكم، وهو أمر وإن حدث ليس أيضاً من المتوقع أن يواجه برد فعل غاضب من الحكومة تجاه الجماعة ربما بسبب عاملين أساسيين هما

1- أن الحكومة لا تريد أن تخسر هذا التيار الإسلامي المقدر العدد والمتنامي حتى على صعيد الجامعات، فعلها وإن لم تنجح في دعمه لها في المعترك الانتخابي فعل الأقل تضمن حياده.

2- إن الحكومة تعلم أن مجابهة هذا التيار المقرب من المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج قد يؤثر على علاقاتها المهمة بهذه الدول وبالتالي توقع الإسقاطات السلبية على الصعيد الاقتصادي، في وقت تسعى فيه لتحسين العلاقة مع تلك الدول.

حزب السلفيين
كانت هناك ثمة إرهاصات لتكوين حزب سلفي للتيارات الجهادية وبالطبع فإن الخطوة وإن تحققت فليس من المنتظر أن تشارك فيه جماعة أنصار السنة المحمدية التي يتقاطع نهجها وثوابتها مع الفكرة الحزبية ابتداءً لكن تبقى الخطوة بالنسبة للتيارات السلفية الأخرى أمراً مشروعاً وربما مطلوباً لكن يبقى التفعيل على أرض الواقع هو الإشكالية والتحدي الحقيقي الذي يقف لتحويل هذه الأشواق إلى حقيقة ماثلة، إذ أن العديد من التيارات السلفية ترى أن رسالتها هي تربوية إصلاحية وأن الانخراط في العمل السياسي يُعتبر منزلقاً في أتون مستنقع العمل السياسي وفتنة تعيق تحقيق تلك الأهداف المنشودة، بينما يرى بعضها أن مهمتها جهادية في هذه المرحلة أكثر من كونها تربوية باعتبار أن هناك مهددات كبيرة تعترض الإسلام وأن الجهاد يفتح مسلكاً وعدوى حميدة للاستقطاب الجهادي الكبير لإحداث التغيير على أسنة البندقية وأنهم غير مستعجلين لإحداث هذه التحولات بشكل آني لكن المهم لديهم هو عدم الاستكانة والقعود سيما وهم يرون أن الجهاد يجبر الأعداء على تغيير مسلكهم تجاه الإسلام والمسلمين وأن هجر الجهاد فيه الخسران والخذلان للأمة بصرف النظر عن التفكير في الحالة الظرفية والاشتراطات العملية لخوضه وأن القوة المتاحة مهما صغرت فإنها تكفي فيمكن عن طريق الاغتيالات والتفجير ضد قوى البغي والاستكبار خوض المعارك الجهادية، لكن بالمقابل هناك الغالبية من هذه التيارات ترى أن طريق العنف هو حرق للمراحل بل هو الذي يستعدي الأعداء وقوى الاستكبار العالمية ويمنحها فرصة لتنفيذ مخطَّطاتها بشكل شرس ضد الإسلام والمسلمين ويستشهدون بأن ضربة الحادي عشر من سبتمبر هي التي أجَّجت العداء ضد الإسلام وضيقت الخناق عليه وجعلت ما يسمَّى بالشرعية الدولية مشروع تحالف أممي يعمل على توجيه الضربات للبلدان الإسلامية ومحاصرة بعضها اقتصادياً بتهمة الإرهاب وتحجيم مشروعات الدعوة الإسلامية المتسارعة في أمريكا ودول الغرب بل الضغط على حلفائها العرب بسن قوانين تحجم العمل الخيري الدعوي بحجة الخوف من دعم الإرهابيين، ويقولون إن الإقبال على قراءة الكتب الإسلامية من قبل الأمريكيين والأوربيين بعد الضربة لم يكن ذا تأثير إيجابي لأنه كان بدافع البحث عن ما يعتقدونه كوامن العنف في الإسلام ولم يكن دوافعه بيضاء نقية وبقلب مفتوح، ويقولون إن استصحاب البيئة الظرفية السياسية والعسكرية والاقتصادية شرط لازم عند جهاد قوى الاستكبار العالمية والأفضل هو الآن إحداث التغيير الإصلاحي من الداخل للأحداث الندية المفقودة ولأن الجهاد الداخلي مقدم بالقياس الشرعي على محاولة حرق المراحل في الدخول في عمليات غير مؤثرة تتقاطع أحياناً مع موجهات الإسلام بضرب المدنيين وإثارة حفيظة قوى البغي العالمية، ومن الواضح أن تلك الاختلافات الفكرية تبدو عقبة كؤود للمّ شمل السلفيين في حزب سياسي لكن ربما يكون نواة للتنسيق والتفاكر عبر كيان غير حزبي، لكن في حالة تحقيق هذا الأمر الصعب فإن احتمالات تحقيق مكاسب سياسية مقدرة في الساحة السياسية للسلفييين لا يبدو كبيراً على الأقل في الوقت الحالي، غير أن النمو المتسارع لهذه الشريحة ينبئ بأن المستقبل لها إذا استفادت من أخطاء تجربة الإسلام السياسي الحالي في السودان، وفي بعض الدول الأخرى، لكن هل ستقدم التيارات السلفية تجربة سياسية مبرأة إلى حد كبير من العيوب خاصة إذا قدر لها الوصول إلى سدة الحكم؟ ذلك لأن الاستغراق والانجذاب في حضرة العمل السياسي للتنظيمات السياسية الإسلامية هو الذي يباعد بينها وبين العمل العقدي الدعوي لساناً واستبطاناً في القلب،لأن السياسة عندما تتحول إلى ممارسة محضة لا تتكئ على منارة الدين وبوصلة القلب تصبح في النهاية عملاً مليئاً بفايروسات العمل السياسي ولذا فإن الإسلام السياسي باندفاعه نحو تأسيس الدولة الإسلامية وتمكين النظام بحجة تحقيق هذا الغرض يسعى دائماً لحرق المراحل اللازمة للبناء وتأسيس البنى التحتية للأرضية الإسلامية الصحيحة متجاهلاً الجوانب الإصلاحية التربوية وإصلاح العقيدة من الشوائب أذ أنها تسعى عادة إلى تكثيف الشعارات والتوسع المتعجل الكمي للبناء التنظيمي على حساب النوع والاكتفاء ببعض الأشكال التربوية المحدودة والتي يتم الالتفاف حولها من خلال التأسيس الخاطئ الملوث ببعض المفاهيم السياسية الداعية لاستعجال الصراع بطرق تتقاطع مع المفاهيم القيمية أو العقدية، لكن بالمقابل فإن تجربة طالبان المحسوبة على التيار السلفي كانت فاشلة بسبب انغلاقها الفكري ومراهقتها السياسية مما أفضى إلى فقدانها الحكم في النهاية.

إذن المطلوب من التيارات السياسية في العالم الإسلامي في حالة وصولها للحكم أن تعمل على تأسيس دولة معاصرة والمعاصرة تعني الحداثة والاستنارة المرتكزة على العقيدة الصحيحة وأن تكون لها القدرة على استلهام التحديات والمستجدات بفهم ثاقب لا ينجرف نحو التكتيكات والحيل التي تنقلب على المبدأ نفسه وفي ذات الوقت لا تنكفئ أو تستسلم أو تتقوقع أو تهادن لكن في ظل الرؤية المنهجية الممتلئة ببصيرة المؤمن، والمطلوب منهم أيضاً هو المزاوجة بين فهم الإسلام السياسي للتحديات وفهم الفكر السلفي تجاه العقيدة وحمايتها ولكن بفهم واعٍ وغير مترهل.

ونخلص إلى أنه يمكن على ضوء ما ذكر أن يكون المستقبل للتيار السلفي إذا استفاد من أخطاء الحركات الإسلامية السياسية الفادحة والمستمرة والفرصة تبدو مواتية إذا أحسن اهتبالها بشكل منهجي ومبدئي يرتكز على الشفافية والنضج والتقوى لأنها هي المصباح الذي ينير البصيرة.

المستقبل السياسي لجماعة أنصار السنة، لكن يبرز سؤال مهم وهو ما هو مستقبل جماعة (المركز العام) في حالة عدم توحد الجماعة في مرحلة ما بعد مرحلة الانتخابات والتي يبدو أن خارطتها قد بدأت تلوح على ضوء التفاهمات التي يجريها الحزب الحاكم مؤخراً مع التيارات السياسية الكبيرة وذات التأثير مثل حزب الأمة والاتحادي وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة د. الترابي فهل ستكتفي الجماعة بالمشاركة الرمزية الحالية (وزارة السياحة على صعيد المركز) أم أن المؤتمر الوطني ربما بدا زاهداً في إشراك الجماعة هذه المرة على الصعيد الوزاري في المركز بسبب سياسة المحاصصة المتوقعة في المرحلة المقبلة، لكن السؤال الملح هل يمكن أن تتوحد الجماعة بشقيها المعارض للمشاركة في الحكم والمؤيد لها لمواجهة التحديات المقبلة بعد النظر بهدوء في تقييم التجربة واتخاذ موقف متجرد يتواءم حقاً مع مصالح الدعوة وليس الأشخاص، ذلك لأن توحد الجماعة يعطيها القوة والتماسك وحرية اتخاذ القرار المناسب فضلاً عن الكسب الجماهيري في ظل شراكة سياسية جديدة للحكومة قد تكون لها تداعياتها السلبية ومن ثم ربما كان الوقوف على رصيف الدعوة بعيداً عن المعتركات السياسية المباشرة خير للجماعة ما دامت تمسكت بمبادئها الخالصة لوجه الله تعالى.

صحيفة الإنتباهة
أحمد طه صديق
ع.ش[/JUSTIFY]


تعليق واحد

  1. هو تحليل يميل الي الصدقيه وان كانت هنالك بعض الدوافع الدنيويه كانت من الاسباب المباشره للانفصال كما اجابني في احد الجلسات الشيخ عثمان الحبوب بعد ان كان من الوسطاء اتخذ طريقا ثالثا ….اكيد حظوظ النفس من الدنيا كانت هي اس البلاء وهي قاصمه الظهر وكانت السبب المباشر في تشتيت الجهد وتوجيه السهام لبعضهم البعض بدل من التوحد لان الهدف كان نبيلا وكان ساميا وعزيزا ولكن …..اه من لكن ….اننا بشر ولسنا ملائكه ….واقولها خير الخطاؤون التوابون ….فياليت قومي يعلمون …لقد ضعفت الدعوه وهزلت ووجد التشيع مرتعا خصبا …فانيبوا الي ربكم من قبل ان تاتيكم الساعه بغته …….