تحقيقات وتقارير

عيد السودان .. كنت أنا وشقيقتي الاثنتين ووالدي جميعاً في منزل العائلة ولكن!

يحل عيد الأضحى على السودان هذا العام وقد تقطع أوصال الأسرة الواحدة وتوزقعت في مناطق مختلفة داخل البلد وخارجه، جراء الصراع الدامي المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع، في ما يعاني من تبقى في العاصمة التي أصبحت شبه مهجورة من انعدام الخدمات الأساسية.

ومنذ 15 أبريل، يخوض الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو نزاعا داميا على السلطة في السودان. وتواجه إيناس صلاح التي تعيش في منطقة “الجريف غرب”، وهي تقع شرقي الخرطوم، مصاعب حياتية جمة مع الخوف الدائم من الموت برصاصة طائشة. تقول إيناس وهي أم لأربعة أطفال إن العيد يأتي في ظل انقطاع للكهرباء لليوم الثامن على التوالي “نعيش على ألواح طاقة شمسية لا تغطي إلا نحو ساعتين فقط” من الحاجة. أما شقيقها نور، فيحل عليه العيد وحيدا في بورتسودان بعيدا عن الأهل بعد تجربة اعتقال قاسية لدى عناصر قوات الدعم السريع.

ويقول لموقع “الحرة”: “كنت أنا وشقيقتي الاثنتين ووالدي جميعا في منزل العائلة، لكن هذه الحرب شتتنا، أنا واسرتي الصغيرة في بورتسودان، والوالد والوالدة في السعودية، وأختي الصغرى إيناس في الخرطوم في ظل خطر داهم، أما شقيقتي الأخرى فنجحت في الوصول إلى مصر”، معربا عن حزنه بسبب قضاء العيد بعيدا عن منزله وعائلته لأول مرة في حياته. ورغم أن عايدة المهدي ظلت عالقة في الإمارات، حيث اندلعت الاشتباكات أثناء وجودها هناك، فإنها تقول إنها تبكي بسبب ما يحدث وأنها تفتقد الجو الأسري وقضاء العيد بين الأهل والأحباب. وتجاوز عدد السودانيين الذي فرّوا من القتال إلى الخارج 560 ألفاً، كما اقترب عدد النازحين في الداخل من مليوني شخص. وتقول المهدي لموقع “الحرة”: “أفتقد الكثير من الأشياء بصراحة، مثل صلاة العيد في الصباح والتجمعات العائلية، أنا أبكي على الوضع وحزينة على الوطن”، مشيرة إلى أن عائلتها الكبيرة تشتت ما بين الإمارات ومصر والسودان. ويقول حاتم إلياس: “العيد هذا العام مختلف تماما في كل السودان، وخاصة في الخرطوم التي لم يدخلها الخراف للأضحية”. وقال: “مظاهر الأضحية والاحتفالات غائبة، فالخراف والمواشي تأتي من خارج الخرطوم، وصعوبة الوضع الأمني والحرب، جعلت مربي المواشي لا يتوجهون للعاصمة”.

وأضاف: “الجو العام اكتئابي، وليس هناك إحساس بالعيد، بل هناك خوف وقلق من الموت في أي لحظة، والطقوس غائبة. على سبيل المثال، في منطقتنا “حي الثورة” كنا ننصب خيمة كبيرة في العيد تفطر فيها الأهالي وسكان الحي جميعا ونجلس فيها لوقت طويل لتبادل التهاني والاحتفال. الآن، معظم البيوت مهجورة وسكان المنطقة تركوا منازلهم”. أما محمد، فبدلا من الاحتفال بالعيد، وقف يستقبل التعازي في قريب زوج شقيقته الذي قتل في شرق الخرطوم الثلاثاء، برصاص عناصر من قوات الدعم السريع، بحسب قوله. وقال: “أبسط الأشياء معدومة، على سبيل المثال، كثير من الصيدليات مغلقة، ووالدي مريض ويحتاج للعلاج”. وكانت زينب عثمان تعمل في مدرسة دولية في الخرطوم، قبل أن تجبرها الاشتباكات على الانتقال وأسرتها إلى بيت والدها في كوستي عاصمة ولاية النيل الأبيض. ورغم وجودها في منطقة آمنة نسبيا فإن “كل شيء مختلف في هذا العيد”، مضيفة “قبل العيد نغير بعض الأشياء في المنزل ونشتري ملابس للأطفال، هذه رفاهيات الآن، خاصة أن آخر مرتب استلمته كان في مارس الماضي”. وبعد اندلاع الصراع تطوعت عثمان في مبادرة سلامة لإغاثة المتضررين من الصراع والمحتاجين “هناك كبيرة كبيرة في مراكز الإيواء يعيشون أوضاعا صعبة للغاية”.

وتضيف أن “معظم الاحتياجات عبارة عن مواد تموينية أو أدوية، وهو ما نحاول توفيره هذه الأيام بعد أن توفرت لدينا بعض الأموال من التبرعات التي كانت شحيحة للغاية في الفترة الماضية”. وتشعر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بقلق كبير إزاء الاحتياجات الإنسانية المتزايدة للأشخاص المتضرّرين من الأزمة في السودان، حيث يستمر عدد النازحين في الارتفاع ولا يزال إيصال المساعدات محدوداً بشدة بسبب انعدام الأمن، فضلاً عن عدم القدرة على إيصالها والافتقار للتمويل. ويقول نور الدين صلاح: في الأعوام السابقة خصوصا بعد الثورة، كانت تطلعات السودانيين وآمالهم وتوقعاتهم في أعلى المستويات وكان الحديث يدور حول بناء دولة مؤسسات وقانون وكيف نستطيع التوافق حول دستور دائم للسودان”. أما الآن، “فكل آمال السودانيين تتركز في انتهاء الحرب بأسرع وقت وعودة الأمن والاستقرار، والحفاظ على حيواتهم حتى ذلك الوقت”، بحسب صلاح.

“الحرة”