مقالات متنوعة

البعد الظاهري والحقيقي


البعد الظاهري والحقيقي
هنالك ظاهرة فيزيائية تتعلق بانكسار الضوء يمكن تفسيرها ببساطة كما يلي : إذا كان هنالك حوض ماء أو حوض سباحة ممتلئ بمياه غير متكدرة وقمت بإلقاء كوب زجاجي في داخله ،وجئت لتلقي نظرة على الكوب من على سطح الأرض فإنك ستراه في موضع أقرب إليك من قاع الحوض بما يقارب نصف ارتفاع الحوض ،مع أن الحقيقة والسنة الكونية التي اكتشف إسحق نيوتن وجودها قبل خمسة قرون تقتضي أن أي شئ ترمي به سيصل إلى أسفل، سيصل إلى سطح الأرض حينما سجل تأملاته على سقوط التفاحة من غصن الشجرة إلى أسفل ،إذن هنالك بعدان للكوب الذي ألقيناه على حوض الماء، بعد ظاهري نراه قريباً ونظن أنه لم يغرق ويسهل علينا لو مددنا يدنا أن ننتشله ،بينما الحقيقة شئ غير ذلك أن بعده سحيق عند سطح القاع أو سفحه إن شئت ،دعونا ننقل هذه الظاهرة من حوض المياه إلى حوض اقتصادنا الذي لن يكون ماؤه غير مكدر على أية حال ،لكن لنلقي عليه بكوب الزيادات الناتجة عن رفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع الأساسية ،سنجد رؤيتين مختلفتين ،الأولى تلك التي يراها الممسكون بملف الإقتصاد والتي ترى الأمر في بعده الظاهري في أنه لن يبلغ بميزانية المواطن ومعيشته مرحلة الغرق حتى القاع وبالتالي يسهل انتشاله من وضعه هذا بعد أن تكتمل حزمة برنامج الإصلاح الاقتصادي ،ويبدأ بإتيان ثماره ،بينما النظرة الأخرى يراها المواطن البسيط الذي يفترض نفسه موجوداً في قاع حوض الاقتصاد فيرى الزيادات في بعدها الحقيقي ويتصور نفسه غارقاً حتى الثمالة في مسعاه لانتشال وهدتها ،يستند في ذلك على إرث ثقيل من التجربة وثقافة السوق التي تقول إن كل زيادة في المرتبات تصحبها أو تسبقها زيادة أكبر منها في أسعار السوق لا يدري من يفرضها مثلما لا تجد لها السلطات آلية ضبط ويشكو منها إتحاد العمال أنها تفعل بهم فعل المقولة (يلمها النمل ويطأها الفيل) ،والتجربة تقول أيضاً أن شأن السلع والتجار شأن الجسد الواحد ،إذا ارتفع منها سعر تداعت له سائر الأسعار بحمى الارتفاع ، وكل تاجر عندما تسأله في كل ارتفاع لسعر الصرف أو ارتفاع ناجم عن رفع الدعم عن سلعة بعينها ،عندما تسأله عن ارتفاع سعر سلعته أو خدمته التي لا صلة لها بمجال رفع الدعم أو سعر الصرف فسيقول لك ( كل الأسعار في حياتنا مرتفعة فكيف نعوض عجز دخلنا؟)

حاشية:

إن المعضلة الأساسية هي من الذي يتحمل عبء العجز ؟ الدولة تدفع به إلى الطبقة الرأسمالية التي يجب ألا تحظى بدعم الوقود ،وهؤلاء يدفعون به إلى الطبقة الدنيا ؟ لذا ندعو رئاسة الجمهورية لتنظيم مسابقة عاجلة للخبراء في تقديم بدائل عملية خلال أسبوعين!

الكاتب : مرتضى شطة
صحيفة الرأي العام