ابراهيم عثمان: تأييد السيسي تصويت ضد “الثورة” في السودان
بكل خفة سارعت معظم أحزاب المعارضة السودانية إلى تأييد إنقلاب السيسي نكايةً في الإسلاميين و ليس لأن السيسي قد نقل مصر إلى مرحلة المشاركة و الديمقراطية و الحرية و حقوق الإنسان تلك المطالب التي تدعي أنها تعمل من أجلها ، أقول بكل خفة لأن النظرة الفاحصة و العميقة و غير المهجوسة بتصفية الحسابات مع الإسلاميين تقول إن إنقلاب السيسي ليس في مصلحة هذه الأحزاب بأي وجه من الوجوه لو صح إيمانها بشعاراتها المرفوعة :
> السيسي يمثل بصورة واضحة لا تقبل الشك ردة عن الربيع العربي الذي رحبت به هذه الأحزاب و استبشرت بموجاته المتلاحقة التي كانت تمر بالبلاد العربية واحدةً تلو الأخرى ، و أمّٓلت كثيراً في وصول مده إلى السودان ، و تقف مع السيسي بكل قوة كل الدول التي وقفت ضد الربيع العربي و كانت تقف مع نظام مبارك بما فيها إسرائيل ، فإنقلاب السيسي هو نجاح – مؤقت بإذن الله – للثورة المضادة ، مما يعني أنهم سعيدون لأن الربيع العربي بدأ يتلقى الضربات في معاقله مما يعني يأسهم أو عدم رغبتهم في وصول زخمه إلى السودان فهو ربيع ديمقراطي لا يكسب في ظله أصحاب الأيديولوجيات التي يصعب تسويقها شعبياً .
> نجاح السيسي في القيام بإنقلابه اعتمد أساساً على مؤسسات الدولة العميقة من جيش و شرطة و أمن و قضاء و إعلام و هي مؤسسات نظام مبارك التي لم يطالها تغيير حقيقي بعد الثورة و على جماهير الحزب الوطني التي تم حشدها في جو احتفالي لا رصاص فيه و لا غاز لساعات معدودة بمساعدة هذه المؤسسات ليتم الإنقلاب بعدها مباشرة دون أن يحتاجوا لمواصلة الحشد و تصعيده . هذه الحقيقة يجب أن تؤرق هذه الأحزاب لا أن تسعدها ، فهي ترسل لهم رسالة يفترض أن تقض مضاجعهم بأن الأنظمة الحاكمة لسنوات طويلة لا سبيل إلى تفكيكها في عجالة بثورة شبيهة بثورة ٢٥ يناير ، خاصةً و أن النظام هنا في السودان عقائدي و عضوية حزبه الفاعلة أكثر ولاء للنظام من عضوية حزب حسني مبارك . فإن نجح المصريون في الثورة و أجهضتها الثورة المضادة فإنهم بتأييدهم للسيسي إنما يؤيدون دون أن يشعروا أن تنقلب دولة الإنقاذ العميقة على “ثورتهم” التي لا زالت في طور الأماني فإن قالوا بأنهم سيستفيدون من الدرس المصري و سيتخذون من القرارات الثورية ما يقضي على دولة الإنقاذ العميقة حتى لا تتكرر التجربة فهذا اعتراف بأن تلك تجربة لا تستحق التأييد و هذا أيضاً إفراط في التفاؤل و تضخيم الذات ، فكيف لمن فشل – حتى الآن على الأقل – في أن ينجز المهمة الأسهل : الثورة ، أن يدعي بأنه قادر على حمايتها و تجنيبها المسار المصري الذي يؤيده ؟!
> تأييد السيسي يحرم هذه الأحزاب من رأسمالها السياسي الذي يشكل مجمل مشروعها السياسي الذي تطرحه على الجماهير ، لأن نظام السيسي يمارس الإقصاء السياسي و تجريم الرأي الآخر ووصفه بالإرهاب و منع التظاهر و فض المظاهرات بالعنف المفرط و المجازر و المحاكمات الجائرة و الإعتقالات بعشرات الآلاف لكل المعارضين و إغلاق القنوات و الصحف ، تأييدهم لكل هذا يطعن بالتأكيد في صدقية مطالباتهم الديمقراطية .
> تأييد السيسي يضعهم مباشرة في المعسكر المعادي للربيع العربي و الداعي إلى ضرب القوى التي كان لها السهم الأكبر فيه بيد من حديد ، فالدول راعية إنقلاب السيسي لا تخفي عداءها للربيع العربي و هي الآن تعمل بكل اجتهاد لصناعة ربيعها المضاد و الذي لا يبشر بديمقراطية و لا حرية و لا حقوق إنسان بل يؤسس لديكتاتوريات أسوأ من التي تضررت من الربيع العربي فكاذب و مكابر من ينكر أن السيسي أكثر ديكتاتوريةً من مبارك ، و كاذب و مكابر من ينكر أن الربيع المضاد ليس له غرض سوى وقف المد الديمقراطي و القضاء على الإسلاميين الذين يكسبون في ظله ، و هم يسعون الآن لتحقيق ذلك عبر السيسي و حفتر ، بل و يمكن القول إنهم ساهموا في إجهاض الثورة السورية بسبب مخاوفهم من الإسلاميين ، فهم أرادوا هندسة الثورة السورية و برمجتها لينتصر الثوار العلمانيون – و من سوء حظهم أنه ليس هناك علماني واحد على استعداد للذهاب للنضال المسلح في سوريا أو غيرها – فأضاعوا الوقت و الجهد في عمليات البرمجة حتى ينتهي الأمر بسيسي أو حفتر سوري و هو ما لن يتحقق لهم بإذن الله .
> وقفت معظم القوى المصرية التي لم تكسب في كل الإستحقاقات الإنتخابية بعد الثورة مع السيسي و كانت تظن أنها بالثورة المضادة يمكن أن تحكم بعد إقصاء الذين يفوزون بالصناديق طالما كانت حرة و نزيهة و غير مُتحكٌم فيها ، و لكنها اكتشفت مؤخراً أن الدولة العميقة و ثورتها المضادة أتت بنظام مبارك ذاته بملامح أكثر وضوحاً و أتت برئيس لا يختلف عن مبارك في شئ سوى أنه أكثر عمالةً و جهلاً و تمثيلاً و ديكتاتوريةً و هم لم يعودوا سوى كومبارس في مسرحية الفلول ، فبدأوا يعارضون باستحياء بعد أن أصبحت المعارضة الصريحة باهظة الثمن ، و لعل أحزابنا المعارضة ،خاصةً تلك التي تعلم ضآلة وزنها الجماهيري، تعمل من أجل تعويق الحوار حتى تجد حظاً في صياغة الواقع السياسي و في السلطة بما يفوق وزنها بكثير ، و لذلك تريد ثورة على شاكلة ثورات الربيع المضاد المصنوع تعقبها فترة إنتقالية تتحكم هي في رسم ملامحها و لا تمانع في أن يكون ذلك عبر سيسي سوداني من المتمردين يأتي محمولاً على ظهر مؤامرات و خطط دحلانية سيسية ، التعويل على سيسي سوداني بدون دولة عميقة هو تعويل على وهم كبير ، فسيسي مصر هو استمرار لدولة مبارك بملامح مباركية فاقعة و لو – لا قدر الله – نجوا في ربيعهم الدحلاني المضاد ، فإن الواقع المصري الذي يؤيدونه و يستبشرون به يبشرهم بسيسي سوداني مضاد بملامح إنقاذية إسلامية فاقعة تعيد إنتاج سيسي مصر و لكن ليستأصلهم هم ما داموا لا يجدون حرجاً في استئصال المخالف و ستكون فرصته في النجاح أكبر فهو سيكون في مواجهة الأقلية اليسارية العلمانية بعد أن يتلاعب ببعض “الثوار” و يجذبهم إلى جانبه تماماً كما فعل سيسي مصر و حتى إن عارض بعضهم فستكون معارضة مرتعشة كمعارضة صباحي و أبو الفتوح و ٦ أبريل لسيسي مصر . و لكن الواقع في السودان لا يسير على هواهم و حساباتهم الضيقة و بالحوار وحده سيتم تجنب السيناريو الذي يفضلونه و الذي سيكون وبالاً عليهم و على السودان .
ابراهيم عثمان
سلام رمضان كريم والعام القادم نتمناه عام سلام ووئام للشعب السوداني.. علي حد علمي ان الثابت في السياسة هو عدم الثبات … لكن من غير المقبول ان تكون المواقف غير مبدية وغير اخلاقية وهم( الاحزاب) يمنون انفسهم بان يصدقهم هذا الشعب المغلوب علي امره ويقدمو انفسهم كبديل ديمقراطي خيراً من النظام الحاكم الان وبالمقابل يؤيدون السيسي غباء سياسي بامتياذ .. ولك الله ياشعب السودان لاحكومة نافعه ولامعارضه نافعه