أ.د. معز عمر بخيت

أزمة ثقافة أزمة وطن: ثقافة الوفاء بالوعد (2)

[SIZE=5][B][CENTER] أزمة ثقافة أزمة وطن: ثقافة الوفاء بالوعد (2) [/CENTER][/B][/SIZE] [SIZE=5] تمتد ثقافة عدم الوفاء بالوعد لتشمل أصغر الأشياء مثل الزيارات العائلية وزيارات الأصدقاء، والإيفاء باحتياجات الآخرين عند طلبها، فالموافقة على أدائها والواحد منا يعلم أنه لن يحاول الإيفاء يعتبر أمراً شنيعاً وعاراً كبيراً، والأجدر بكل تأكيد الإعتذار حتى وإن غضب الطرف الآخر.
الغريب في الأمر أنه قد أصبح الواعد والموعود لا يعيران الحدث انتباهاً، فالواعد لا يهتم بانجاز ما وعد به والموعود أصلاً لا يصدق الواعد، فأصبحت كثير من الأمور من باب (مشي حالك)، وكلمة من هنا وكلمة من هناك وحديث لا قيمة له. وقد أنكر الله على من يعد وعداً لا ينفذه أو من يقول كلاماً لا يفعله حين قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ)، ويشبه هذا الفعل الطريقة التي نسلم بها على بعضنا البعض وتحمل كلمات طيبات لكنها من اللسان فقط، حيث لا نستمع إليها من الأساس ونتبادلها في وقت واحد بشكل زائف خاصة في المناسبات مثل حفلات الأعراس التي تمثل قمة الزيف في مجتمعنا، وحتى هذه الكلمات الطيبات تحولت الآن لجمل فارغة مثل: (كيفك.. تمام.. عامل شنو عليك الله.. والله تمام.. كيف الدنيا معاك.. تمامين التمام؟! أبقو أظهروا ياخي.. خلاص بنجيكم.. الأسبوع الجاي معاكم والله!!)، وهكذا تكون الأشياء بلا فعل ولا معنى لها في كل شيء تقريباً.
أما الوفاء بالموعد والحضور في الوقت هذا أصبح شيئاً خارج خارطة الإصلاح وأصبح ثقافة سائدة بين الجميع، فلا صاحب المناسبة يعطيك الوقت الصحيح لأنك لن تحضر فيه ولا المدعو سيلتزم بالحضور في موعده ويختلط الحابل بالنابل وصار الأمر جميعه مواعيد سودانيين.
ويمثل عدم الوفاء بالوعد معضلة حقيقية في مسيرة تنميتنا المادية والفكرية والإنسانية لأن مثل هذه الثقافة المفقودة تجعل من المستحيل التخطيط لأي أمر كان سياسي أم اقتصادي أم اجتماعي أم انساني أم حتى صحي، وأصبح من الصعب التعامل بثقة حتى مع الأقربين في شتى الأمور. المصيبة أن عدم الإلتزام هذا تجاوز الفرد للأسرة وللمجتمع وللدولة نفسها في مختلف مؤسساتها وإداراتها، فلا أحد يحاسب الآخر أو أصلاً يغضب من عدم الوفاء والإلتزام لأن عدم الإلتزام هذا هو السائد ويصبح أمراً عجيباً إذا أوفى أحدهم بعهده إليك أو حضر في ميعاده. الأدهى أن الموضوع يسير من سيء إلى اسوأ، فمثلاً قمت بزيارة لـ(الدوحة) في عام 1988م لأمر يتعلق بتطوير (مستشفى الشعب) وعند عودتي أعطاني أحد السودانيين مبلغ 10 آلاف دولار نقداً لأسلمه لشقيقه بالسودان ولم يأخذ مني وصل أمانة أو ما يثبت أنه سلمني المبلغ وهو لا يعرفني لكنه بحكم أنني سوداني فقد اعتبرني تلقائياً مصدر ثقة لديه غير قابلة للشك. عند وصولي للخرطوم قمت مباشرة بالذهاب لمنزلهم وسلمت الأمانة لشقيقه الذي شكرني بصورة عادية بحكم أنني لم أفعل شيئاً غير عادي ولم يخطر في باله أصلاً أنني قد أتأخر عن تسليم الأمانة. وكذلك كان موقفي في أن هذا الفعل هو عمل عادي وبسيط وواجب ألتزم به دون تفكير، دعك من مجرد أن يراودني الشيطان بالقيام بأي شيء به خيانة للأمانة. صدقوني قبل عدة أشهر أرسلت دواءً مع أحد الأشخاص – وليس مالاً – لمريض في أمس حاجة له ولم يصل هذا الدواء حتى الآن؟! ومن أرسلت معه الدواء صار لا يرد على هاتفه ثم بعد ذلك تحول هاتفه إلى خارج السجلات. الآن وبصدق وبصراحة هل يجرؤ أحدكم على إرسال مبلغ 10 آلاف دولار أو حتى نصفه مع شخص سوداني لا يعرفه – أو يعرفه حق المعرفة – كما فعل معي ذلك الرجل قبل (25) عاماً؟ لا أعتقد أن هناك بقية من ثقة فيما يتعلق بالمال! وحتى لو كتبنا الدين فالذي لا يوفي به يفضل البقاء في السجن على أن يفي بالوعد ويعيد لك مالك.

مدخل للخروج:
ضمي خطاي إلى خطاك
وسافري
في العمر يوماً واحداً
يبقى حياة واعتمار
والخير فيما اختاره
ومض الصبابة
حين يرتحل القطار
نحو النجيمات التي قد هاجرت
في غفوة النسيان أركان الترجي
فيها واحتقن المطار
سبح الندى في ساعديك محبة
وتفتح الصدر احتفاءً بالرؤى
وتجدد الميلاد فيك وسامة
.. نوراً ونار ..
حتماً سأبقى في انتظارك عابراً
كل الصحارى والقفار
ومجاهداً بالشوق وحدي حالماً
حتى تعودي للديار
يا زينة الأختام قدرك عالمي
وأنا المرابض في كهوفك
بين رايات التمني
والحريق على سعير الإنتظار
فالآه من رئتيك موت
وارتقابك احتضار
حتى بأحضان الخيال ومده
يبقى منامي فوق صدرك انتحار
يا نجمة الوطن البعيد أنا هنا
فالدرب قفر والطريق إليك
ما عاد اختصار
[/SIZE]

أ.د. معز عمر بخيت – عكس الريح
صحيفة المجهر السياسي
[Email]moizbakhiet@yahoo.com[/Email]