رأي ومقالات

خالد التجاني: لم يحدث أن مر على السودان عهد استبيحت فيه الدماء واسترخصت الأرواح كما نشهده اليوم

إن أسوأ ما كشفت عنه حادثة الاعتداء الآثمة على الأستاذ عثمان ميرغني والعدوان على صحيفة “التيار”، المدى الذي بلغه انتشار ثقافة العنف والكراهية والذي غفل عنها الكثيرون حتى انتبهوا لها جزعين حين أطلت برأسها لتضرب في وسط العاصمة الخرطوم على مقربة من مركز الحكم، وحين مسّت شخصية عامة مشهورة، ولكن تبقى الحقيقة المرّة أن ما أصاب الأخ عثمان ليس سوى وجه آخر وامتداد لحالة عنفٍ مستشرٍ عانى منه سودانيون بسطاء أبرياء سنين عدداً في أطراف البلاد، ولكن أغفلنا عن ذكرها وانشغلنا عن الوعي بها لأنها لم تمس نيرانها مباشرة.

ومن دلائل انتشار ثقافة العنف والكراهية ذهاب البعض إلى تجريم الرأي الآخر ونصب سوق للمزايدات على المواقف الدينية والوطنية، وتنصيب البعض أنفسهم ميزاناً للحق يميل حيث مالوا، وكم كان مؤسفاً محاولة البعض إدانة الحادثة بكلمات من باب المجاملة ليدلف مباشرة إلى إيجاد مسوغات لتبرير الاعتداء الآثم بالزعم أن ما قاله الأخ عثمان ميرغني في برنامج “قيد النظر” التلفزيوني، أو ما كتبه في صحيفته تسبب في استفزاز ما يزعمون أنها ثوابت الرأي العام، والحق ما علمنا الرأي العام إلا متعاطفاً معه بعد هذه الفعلة التي استحى من أقدموا عليها أن يتحلوا بالشجاعة ويعلنوا عن أنفسهم مؤثرين الفرار طلباً للسلامة.

ولذلك فإن أسوأ مما حدث أن ينبري من يفترض فيهم تحمل مسؤولية نشر ثقافة التسامح وقبول الرأي الآخر، وبدلاً من ذلك أفرغوا جهدهم في البحث عن مبررات تقلل من الجريمة الآثمة بدعاوى توفر عنصر الاستفزاز في إفادات عثمان، فهو مهما قال فإنها تبقى مجرد آراء لا تلزم إلا صاحبها بوسع كل شخص دحضها بمنطقها لا بتسويغ استخدام العنف. ولذلك يجب إدانة العنف إدانة مطلقة، ويجب أن يرفض جملة وتفصيلاً، ويجب ألا نسهم في المزيد من نشر ثقافة العنف بإيجاد مبررات له مطلقاً مهما كانت الأسباب، حتى وإن أخطأ من ارتكب جرماً فإن من يملك الحق الوحيد لتبرئته أو تجريمه هي ساحة القضاء، ولو سمح لأي طرف مهما كان أن يأخذ القانون بيده، إذن تكون فتنة في الأرض وفساداً كبيراً.

سيكون من قبيل المواساة الباهتة أن نكتفي بإدانة الفعل الآثم الذي تعرض له الزميل عثمان ميرغني، من يستحق الإدانة والمحاسبة ثقافة العنف والكراهية وتجريم الرأي الآخر تحت أي دعاوى جاءت والتي انتشرت على نحو غير مسبوق.

لم يحدث أن مر على السودان عهد استبيحت فيه الدماء واسترخصت الأرواح كما نشهده اليوم، فلئن جزعنا لما أصاب الأخ عثمان اليوم، فمثله يحدث لمن لا نعرف لهم عدداً من السودانيين الأبرياء في مناطق الحرب الأهلية المستعرة في السودان.

فهذا جزء من كل وليس معزولاً، فالعقلية المنتجة لثقافة العنف والكراهية وممارستها واحدة، وما وصول العنف إلى قلب الخرطوم إلا نتاج الصمت الطويل هنا على ما يحدث في غيرها في الأطراف، الذي يشكو لسنين عدداً وما تداعينا له بالسهر والحمى، وعندما تدور عجلة الإرهاب فلا يظنن أحد أنه منها ناجٍ.

لننهض جميعاً إلى مهمة استعادة الوعي بأن الظلم لا يتجزأ، والعنف كذلك، وليقف الجميع موقفاً واحداً ضد الحرب وثقافة العنف والاستبداد.

دعاؤنا لأخينا عثمان بعاجل الشفاء، وليحفظ الله السودانيين في مقبل أيامهم

خالد التجاني- التغيير

‫2 تعليقات

  1. نحن حقيقة اذا اردنا معالجة العنف يجب علينا اولا معرفة الاسباب الحقيقة التي ادت الى صناعته و وجوده !!! اما معالجته دون ان نتعمق و نغور في اسبابه فتلك (مسكنات ) قد تهدئ من عاصفته حينا و لكن حتما سيعود بعد حين !!!! نحن (كشعب) كثيرا ما طالبنا ( بحرية الصحافة) علما اننا لم ندرك ان هذه الحرية ليست مطلقة العنان انما هي (حرية) لها سقف يحول دون تجاوز جاذبيتها … فاذا ما تجاوزت الكلمات ذاك السقف قسوف نفقد السيطرة عليها مما يعرضها للاصطدام بمجرة او نجم فتصيبنا نحن بشظاياها التي ربما تصيبنا في مقتل يوما ما !!!! نحن في مثل هذه الامور علينا ان نحكم (العقل) دون ان تقودنا (العواطف) الى الانتقام او التحريض … كل من كان له ضلع في هذه (المهزلة) ندعو الله ان يهديه الى الصراط المستقيم …..الا (اسرائيل)!!!!

  2. إذا كانت بلطجية برلمانية تسمي سامية وهي غير سامية بقولها ، تبرر العنف والاعتداء علي الاستاذ المهندس عثمان ميرغني فماذا يفعل رجل الشارع العادي ،هذه هي مشكلة السودان حيث تؤول الامور لغير اهلها من امثال سامية ولنا الله من ناس سامية