رأي ومقالات

حماد صالح: رابعة العدوية .. ينبوع الحب

يقول المتصوفة ان ذكر الصالحين ينزل الرحمة وذكر الفاسقين يجلب العنت ولذلك أحببنا فى هذا الشهر الكريم وخاصة فى العشر الأواخر منه أن نعطر أيامنا بذكر هؤلاء الصالحين عسى أن تصيبنا نفحات الرحمة تبركاً بذكرهم ونثر سيرتهم وفى الأثر ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن أولياء الله فقال : ( هم الذين اذا رءوا ذكر الله .) فاذا كان مجرد النظر اليهم مدعاة لذكر الله فما بالك بتناول سيرتهم .
لا شك أن الأقلام قد تناولت سيرة السيدة رابعة العدوية وهى أقلام كثيرة أعطتها حقها وأوفت , كذلك كثير من المحاضرات قدمت من علماء كبار ونحن لن نغادر من متردم ولكننا نريد أن يكون لنا سهم فيمن ساهم , قيل لمعروف الكرخى مالك اذا تكلمت بكينا واذا تكلم غيرك لم نبك فقال لهم ( ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستاجرة )
فكلهم يعظ بنفس الكلام ولكن التاثير لمن اتعظت نفسه قبل ان يعظ الناس وخرج الكلام من قلبه قبل لسانه.
سنخالف من سبقنا فى تناوله لحياة هذه العارفة حيث يبدؤون بنشأتها وحياتها , فمن أراد ذلك فمواقع الانترنت مليئة بذلك ولكننا سنتطرق الى بعض الحكايات عنها وعن نظريتها فى الحب الالهى . يحكى أن هناك ثلاث شباب سكارى مروا بديار رابعة وكانت فى منتهى الحسن والجمال فأرادوا أن ينظروا الى حسنها ويتغزلوا فيها وكانت عندها امرأة عمياء منذ اربعين سنة وعندما طرقوا بابها قالت المراة العمياء : ( الهى وسيدى بحرمة هؤلاء الأقوام الذين طرقوا الباب الا رددت على بصرى ) فرد الله بصرها فى الوقت فخرجت رابعة وفتحت الباب وتمرقت بأرجلهم تبركاً بهم فاندهشوا فقصت عليهم القصة فتأثروا أيما تأثير وتابوا من ساعتهم وتصوفوا وأصبحت قبورهم تزار بعد موتهم , واترك للقارئ وحده أخذ العبر من هذه القصة .
لقد شوه المؤرخون سيرتها واتهموها فى عرضها وقالوا عنها أنها كانت راقصة وماجنة والسيرة الحقيقية تقول أنها فدت أخواتها من الفقر والجوع فباعها والدها لينقذ بقية الأبناء وذلك عندما طلبت من والدها ألا يطعمهم حراماً فقال لها والدها ممتحناً لها : واذا لم نجد الا حراماً فقالت له : (نستطيع أن نصبر على الجوع سنة ولا نستطيع أن نصبر على النار ساعة ) فبيعت لرجل قاس وفى أحد الليالى استيقظ سيدها ووجد غرفتها مضيئة بلا سراج فاقترب فرأى عجباً وتصبب عرقاً وفى الصباح اعتقها وذهبت الى ربها منقطعة لذكره وألفت القصائد فى الحب الالهى حتى زاعت شهرتها وملأت الآفاق فمتى كانت ماجنة وراقصة وبنت هوى ؟
أما نظريتها فى الحب الالهى فهى نظرية بسيطة ومعقدة فى آن حيث تقول فى أبيات لها :
عرفت الهوى مذ عرفت هواك ** واغلقت قلبى عمن سواك
وقمت اناجيك يا من ترى ** خفايا القلوب ولسنا نراك
احبك حبين حب الهوى ** وحب لانك اهل لذاك
واما الذى هو حب الهوى ** فشغلى بذكرك عمن سواك
واما الذى انت اهل له ** فكشفك لى الحب حتى اراك
فهذه النظرية بسيطة لمن ذاق من الكأس أو شرب منه ومعقدة لمن هو بعيد عن الحوض وقد أنكر المترسمون الحب الالهى وقالوا أنه لا يوجد حب للمولى عز وجل كما وصفته رابعة وعلماء الرسوم معذورون لبعدهم عن الحوض وقد ضرب ابن عربى مثالاً فقال : لو وضع لك كوبين زجاجين من الماء وهما فى غاية الصفاء والنقاء ولكن أحدهما ماء عذب والاخر ماء مالح فانك لن تفرق بينهم بالنظر وستتحدث عن جمال الكوبين وصفاء الماء فيهما ولكن بالذوق ستفرق بينهما . وكذلك العلم مجرد نصوص محفوظة أو فى متون الكتب لن تعرف قيمته حتى تعمل به وتصبر عليه فتصل الى الاشراق الالهى وورد فى الحديث (من عمل بما علم علمه الله علم ما لم يعمل ) وهذا الذى يحدث للعارفين ولكن اكثر الناس لا يعلمون .
رابعة كانت تحب الخلوة لتسكن الى حبيبها ونشدت فى ذلك شعرا ..
راحتى يا اخوتى فى خلوتى **وحبيبى دائما فى حضرتى
لم اجد لى عن هواه عوضا ** وهواه فى البرايا محنتى
حيثما كنت اشاهد حسنه ** فهو محرابى اليه قبلتى
ان امت وجدا وما ثم رضا ** وا عنائى فى الورى وا شقوتى
كذلك لرابعة نظرية عميقة فى مسالة العذاب والنعيم فهى لم تعبد الله طمعا فى جنته ولا خوفا من ناره ولكن حبا وشوقا له وهذا مقام عالى لا يصله الا الاكابر , كانت تصلى الف ركعة فى الليلة الواحدة فقيل لها ما تريدين من ذلك فقالت : لا اريد به ثوابا ولكن اريد ان يسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فيقول للأنبياء انظروا الى امرأة من امتى هذا عملها . وهتف رجل فى مجلسها فقال : اللهم ارض عنى , فقالت له : لو رضيت عنه لرضى عنك , فقال لها وكيف ارضى عن الله ؟ فقالت : يوم تسر بالنقمة سرورك بالنعمة .
توفيت السيدة رابعة العدوية عن عمر ثمانين عاماً وعند وفاتها قالت لمن حولها : اخرجوا حتى يدخل رسول الله ويلقننى الشهادة .
وهكذا رجعت الى ربها راضية مرضية
حماد صالح

‫2 تعليقات

  1. يالها من شخصية جميلة وملهمة
    للاسف ارتبط اسمها مؤخرا بالاخوان الشياطين