رأي ومقالات

عبدالباقي الظافر: بلدنا بين آلاء وابرار ..!!

في السابع عشر من رمضان كان الرئيس الامريكي أوباما يمنح أذنه لفتاة سودانية .. آلاء عبدالله الصادق كانت واحدة من عشرات المدعوين للإفطار السنوي الذي ينظمه البيت الابيض لرموز من الجالية المسلمة ..آلاء تبلغ من العمر اثنين وعشرين ربيعا وهاجرت مع اسرتها الى امريكا منذ مستهل التسعينات ..تخرجت الاء من جامعة (ييل) العريقة في تخصص في العلوم الطبيعية واخر في العلوم السياسية ..آلاء التى ترتدي الحجاب الاسلامي وتحفظ اكثر من ثلث القران الكريم.. الرئيس اوباما والاء تحدثا في مختلف المواضيع السياسية والاجتماعية.. الا ان اللافت للاهتمام ان الرئيس حمل آلاء تحياته لجدتيها الموجودتان بالسودان.
قبل ايام كان بابا الفاتيكان يستقبل فتاة سودانية .. أبرار المعروفة إعلاميا بمريم اسحق او الطبيبة المرتدة كانت تطلب من البابا ان يضع يده على طفلها الاخر كناية عن التماس البركة..أبرار التي شغلت الراي العام حينا من الدهر وباتت بطلة في نظر الكثيرين واحتلت صورتها أغلفة المجلات العالمية..بدات قصتها بكذبة حينما ادعت انها طبيبة تخرجت من جامعة الخرطوم وتبين لاحقا انها درست العلوم بجامعة السودان .. وأخري حينما نسبت نفسها الى ام إثيوبية و الى اسرة تنتمي لدارفور بينما هي من نواحي القضارف..لم يهتم احد بهذه التفاصيل تحت الإحساس ان حياتها في خطر بسبب تغيير معتقدها الديني..رغم ان ذات القضاء الذي حكم عليها بالإعدام منحها البراءة في مرحلة الاستئناف.
حكاية آلاء وماساة آبرار تعبران عن حالة وطننا المازوم..آلاء وجدت الحرية فأبدعت دون ان تتخلى عن موروثها الثقافي ومعتقدها الديني..فيما أبرار تنكبت الطريق وألحقت الاذي بدينها وأهلها لان هنالك نص في القانون السوداني يقضي بإعدام من يبدل دينه.. هذا النص غير متفق عليه بين علماء المسلمين سلفهم وخلفهم..بل ان الشيخ كمال رزق الذي يعتبر من الغلاة المتشددين افتي بعدم جواز الحكم بإعدام المراءة المرتدة.. وتوسع في احكام عدم جواز قتل المرتد غير المقاتل وأفاض الشيخ حسن الترابي ومن بعده الشيخ محمد مختار الشنقيطي.
حالة عدم الرضاء بالآخر باتت مزاجا سودانيا .. اذ لم يقتصر الخلاف على المبدل لدينه والمفارق لجماعته ..ذات يوم غضب الامام الصادق المهدي من هتافات ضده قادتها جموع شبابية من داخل حزبه اثناء مخاطبته لقاء جماهيري ..رئيس الوزراء السابق قال بغضب “الباب يفوت جمل” وذلك في تلميح صريح بطرد المخالفين في الراي.. وقبل ذلك تعامل الامام بذات القسوة مع مبارك الفاضل الذي حاول ان يكفر عن أخطاءه ويعود للحزب ولكن الامام كان يضع تحت أقدام الفاضل العراقيل.
في طواخل الحزب الحاكم وصل اختلاف الراي درجة استخدام الكراسي والعصي للتعبير عن وجهات النظر كما حدث في رمضان في لقاء حزبي بمدينة القضارف ..الحزب الحاكم شكل لجنة خماسية لمحاسبة أعضائه الذين تتباين آراؤهم ولا تتسق مع آراء قيادة الحزب..لجنة المحاسبة توازيها لجان على مستوى الولايات لتقوم بذات المهمة.. وكان ذات الحزب قد اعلن في وقت سابق عن تكوين جهاز للرصد وجمع المعلومات عن أعضائه المحترمين .. ومن قبل قام الحزب الحاكم بفصل مجموعة من ابرز قياداته لمجرد كتابة مذكرة تتحدث عن التعامل الخشن مع التظاهرات الشعبية التي حدثت في سبتمبرالماضي.
غياب حرية الإبداع والتفكير جعلنا نتزيل قائمة أممية جديدة ..السودان احتل المركز الاخير في معاملة المبدعين والعلماء المعروف بمؤشر الابتكار العلمي..فيما تقارير رسمية سودانية أفادت بهجرة (٥٥ ) الف مواطن سوداني خلال ستة اشهر بينهم ألفين من الاطباء وأساتذة الجامعات..صحيح ان للهجرة هذه دوافع شتى الا ان غياب البيئة الحاضنة للنبوغ يسر من اختيار هؤلاء للهجرة.. وليس هنالك اهم من احتمال وجهة النظر الاخرى رغم قسوتها.
بصراحة لن نتقدم قيد أنملة ان لم يتم توطين الحرية في التراب السوداني..النهضة تبنيها عقول لا تخاف من التحليق .. وقديما قال أمامنا الشافعي رائي صواب يحتمل الخطا وراي غيري خطا يحتمل الصواب.
هل تظنون ان آلاء الصادق كان بمقدورها الحديث لرئيس السودان ان اختلفت معه في المعتقد السياسي او الفكري .. وهل كان لابرار ان تضطر لحبك قصة درامية ان كان بلدنا يؤمن بحرية الاعتقاد والعبادة .

عبدالباقي الظافر(صحيفة التيار )

‫2 تعليقات

  1. هناك .. الإنسان محترم بطبيعته ..
    وعندنا .. الإنسان ((مهان)) بطبيعته ..

    نعيش في وطن لا نجد فيه سوى الإحتقار .. وطن غير محرض على الإبداع ..
    آلاء لو كانت في السودان كانت ستكون على أحسن الفروض ست شاي ((مع إحترامي للمهنة الشريفة)).. في حين أن عديد ستات الشاي في السودان لو أراد لهن القدر العيش في دولة أكثر إحتراما لكانوا أفضل من آلاء .. لا نلعن القدر .. لكن صدقوني نحن نستحق حياة أفضل .. نستحق حكومة أفضل .. نستحق رئيس أفضل ..