حلو مر: العودة إلى الاغتراب.. “حكايات لا تنتهي”

الهجرة ظاهرة كونية صاحبت البشرية منذ خليقتها، لكنها ظلت تتزايد وتتفاقم يوما بعد يوم خاصة مع توفر وسائل النقل الجبارة والسريعة متزامنة مع انتشار الفاقة والفقر والحروب في مناطق محددة من العالم مقابل سلام ورخاء وأمن في مناطق أخرى.
كثيراً ما يطرح سؤال الهجرة على نحو.. هل هي نزعة إجبارية أم اختيارية؟ لكن تبقى النتيجة واحدة هي الغربة و(التيتم الوطني) بعيداً عن التراب والأهل والسند، لذلك يشعر المغترب أو المهاجر وكأنه طفل وحيد تائه ومتوتر، لكنه رغم ذلك يمكث في مهجره حيث الحياة أفضل، والعمل متوفر، ومستقبل أسرته أكثر ضماناً، فكيف يمكن تقبل هذا المزيج (المر والحلو) في آن.؟
بيد الحكومة
ليس باليد حيلة، فصعوبة المعيشة على أرض الوطن، والنزاعات المتواترة في أطرافه، هما ما يجبران على الرحيل إلى حيث يستطيع الفرد تأمين حياة كريمة ومستقرة له ولأسرته، وحتى يتمكن الشباب من الزواج وتكوين أسر تخصهم، فالعيش في السودان شبه مستحيل إن لم يكن كذلك بالفعل، هكذا ابتدر “عمار علي أحمد” مداخلته وختمها.
يعزي “محمد عبده الكتيابي” موجة الهجرة الأخيرة التي اجتاحت البلاد خاصة في أوساط الشباب والمتعلمين المؤهلين، إلى ما أسماها ضعف موارد الدولة وعدم وجود فرص عمل، ووصف “الكتيابي” الظاهرة بأنها سلبية جداً، وأضاف: الحلول في يد الدولة لا أكثر ولا أقل، لذلك عليها المبادرة لوقف هذا النزيف، ليس بمنعه بل بتوفير ظروف تجعل المواطن يكف عن التفكير في الاغتراب.
إيجابيات أكثر.. سلبيات أقل
من جهته اعتبر “أحمد حمزة كمال الدين” أن البحث عن المعيشة الكريمة وتحسين الأوضاع المادية والبحث عن الاستقرار هي الأسباب الرئيسة للهجرة، مشيراً إلى أن للاغتراب إيجابيات كما له سلبيات، وأن إيجابياته تكمن في تحسين الدخل المادي وتأمين المستقبل، أما سلبياته فلا تتجاوز في الغالب ذلك الحنين إلى الأرض والأهل.
وفي السياق ذاته أفادنا “مهند البر” قائلاً: سبب الاغتراب الرئيس هو ضيق العيش، والدليل أن الأثرياء لا يهاجرون بل يسافرون من أجل الترفيه، أما الفقراء ومحدودو الدخل فيغتربون لتحسين وضعهم المعيشي، وأضاف: كما أن البعض يسافر من أجل التعليم، واستطرد: الاغتراب ظاهرة سلبية لأن كل المهاجرين شباب وكوادر ناجحة ومؤهلة حاصلين على شهادات أكاديمية في تخصصات نادرة ومهمة، مردفاً: أن أفضل الحلول للحد من انتشار هذه الظاهرة هو إيجاد فرص عمل للشباب وتحفيزهم على البقاء في البلاد والاستفادة منهم وإشراكهم في جميع الفعاليات عن طريق منظمات حكومية أو مدنية، وبذلك يتحقق الاستقرار وتتوقف قوافل الهجرة إلى الخارج.
تحقيق الذات
إلى ذلك اتفقت “أروى كمال الطاهر” مع سابقيها في أن سبب الاغتراب هو غلاء المعيشة، بجانب العائد من الوظيفة في المهاجر كبير وربما أضعافا مضاعفة لنظيره بالداخل ما يجعل شاغل تلك الوظيفة يحقق أهدافه في مدى زمني قصير، كما أن الاغتراب يحقق الذات، لكنها عادت لتعتب على من يتعاملون مع الهجرة على أساس أنها نافذة للهروب من (البلد) فلا يعودون إليه مرة أخرى، أو يزرونه مرة بعد سنوات طويلة ويتركون أبناءهم خلفهم دون سند ورعاية، وحذرت “رؤى” من الهجرة المتواترة والكبيرة التي انتظمت الشباب في الآونة الأخيرة، مطالبة من أجبرتهم الظروف عليها بتحويلها إلى هجرة إيجابية بمعنى أن يحققوا أهدافهم منها ويؤسسوا لحياة أفضل في وطنهم، ثم يعودون إليه ليستقروا به نهائياً.
جدة: فاتن الزين صغيرون -اليوم التالي