احمد دندش

عيد بلا (محمود).!


[JUSTIFY]
عيد بلا (محمود).!

الطريق الى نادي الضباط بقلب الخرطوم مزدحم للغاية، والشوارع الفرعية تحفل بالمارة الذين يقتطعون الطريق وشفاههم تطلق صفيراً مميزاً لأحدى أغنيات الفنان الشاب محمود عبد العزيز، الأسر المارة بذات الشارع تمد برؤوسها من داخل السيارة ويصرخ أحد الاطفال الاشقياء: (يمة..الناس دي ملمومة هنا في شنو)..؟..أما بائعي السجائر والحلوى والمناديل، فتجدهم يسرعون الخطى لنصب بضائعهم امام النادي، مع وضعهم لتعرفة اضافية على كل منتج-بالرغم من ان هذا مخالف للقوانين-.
بوابة نادي الضباط نفسها تقف في حيرة من امرها جراء ذلك التكدس الرهيب امامها، بينما يتضاعف عدد رجال الجيش المناط بهم تأمين الموقف، اما على الواجهة المقابلة للبوابة، يجلس عشرات الشباب ، بعضهم يتكئ على كتف البعض، وآخرون اختاروا الجلوس على الارض، اما المشهد امام كشك بيع التذاكر فربما لايوصف.
داخل النادي الرحيب وماإن تطأ قدماك داخله حتى يرتفع حاجباك من الدهشة، فالاعداد المهولة من الشباب والاسر التى تتوزع داخل براح النادي تجعلك تطلق سؤالاً واحداً وهو: (طيب البلد الفضل فيها منو).؟..هذا بالطبع قبل ان تسرع الخطى لتجد لك موقعاً للجلوس تحظى من خلاله برؤية جيدة للمسرح، وبإنسياب صوت جيد كذلك، وماهي الا دقائق حتى تجد المكان الشاغر الذى بجانبك والذى حاولت ان تقوم بحجزه لصديق لك، قد امتلأ، فتختار الصمت، على الاقل ليس لديك (شهادة بحث) على تلك المساحة المترية.!
فترة من الصمت تسود، وعيون تراقب المسرح بتوتر، وقلوب تنبض بعنف، ورائحة التبغ تتسلل وسط الحضور تزيل هواجس البعض وتزيد من المتاعب الصحية لآخرين، وبائع مياه متجول ينتهز فرصة الانتظار فيردد وبصوت عالي: (من الظروف ماتشيلي هم..بكرة الزمن ليك ببتسم)، وهنا يقوم الكثيرون بشراء المياه منه، ليس انبهاراً بصوته، ولكن وفاء منهم لتلك الاغنية، بينما يضع هو النقود في جيبه ويغادر المكان (بعد ان ابتسم له الزمن)..!!
و……يرتفع (الصفير)…وينهض كل المسرح على ساق واحدة، وترتفع الصيحات المجنونة: (ماينطيق لي غيرو نسمع)، اما البعض فتتملكه حالة من ضعف عدم التعبير، فيطلق لدموعه العنان وهو يصرخ بهستيريا: (الجان)، وعلى المسرح كان يقف محمود، تلك الوقفة الشامخة التى لم تهزها ظروف كثيرة ولم تهزمها احزان عديدة، كان يقف وهو يلوح للجمهور بعلامة (الحواتة) الشهيرة، قبل ان يبدأ فاصل الغناء، وتتسلل الموسيقى لتقوم مقام (البنج) داخل الاجساد، وقبل ان نصحو اليوم خلال العيد السابق من تلك الذكريات بعد رحيل محمود عن هذه الفانية، تاركاً ذات المسارح التى كان تضج بالحيوية (يتيمة) وتاركاً جرح الحواتة يواصل (النزيف).

شربكة أخيرة: وحات الريدة يااسمر..فراقك ثانية مابنقدر..لكن غايتو نتصبر.!

[/JUSTIFY]

الشربكا يحلها – احمد دندش
صحيفة الأهرام اليوم