رأي ومقالات

باع سيارته وكاد ابنه أن يفقد مقعده في الجامعة البريطانية، ابنته توفر من مصروفها اليومي، بسيرها مشياً على الأقدام

حضر قروي للخرطوم للمرة الأولى، وجلس قبالة كوبري النيل الأبيض ممسكاً برأسه بين يديه، ومرّ عليه أحد أقاربه وسأله عن حيرته، فأجاب القروي «محيرني العربية الصغيرة دي اليوم كله ماشه وجايه» فأخبره صديقه أن العربة الصفراء هذه هي تكسي الخرطوم.
جلست أنا على كوبري (WESTM INISTER BRIDGO) قابلت ساعة «بق بن» الشهيرة بالعاصمة البريطانية لندن ومرت علي الدكتورة «السون هيوز» (DR. ALISON HUYHES) وهي اختصاصي باطنية وأمراض الكلى وكابدت معي الأمرين في توطين زراعة الكلى بالسودان الذي احبته لدرجة أنها اصطحبت ابناءها في إحدى رحلاتها إليه سألتني: لماذا أنا في حيرة من أمري؟ فقلت لها سمعت كما سمع أهلي في السودان أن هنالك فتاة قامت بفصلي من العمل في بلدي الأم، وهذا سبب حيرتي، طالعت بعدها مقالاً لأستاذي الجليل الصحفي محجوب فضل بدري تحت عنوان كمال أبو سن في بلاد العجائب.
واستطاع محجوب أن يعايش الظلم الذي حاق بي، وعبر عن حيرتي بقلم رشيق وعقل سديد، ولا يسعني إلا أن أفسح له هذه المساحة الأسبوعية التي عدت لها بعد أن صمت عن الكتابة.
وما بلاد العجائب إلا بلادنا هذه!! وليست تلك التي في قصة «أليس» في بلاد العجائب، فمن العجائب أن يستهدف المجلس الطبي السوداني أحد أشهر أطباء السودان قاطبة ــ في مجال «زراعة الكلى» ويترصده مع سبق الإصرار، ويتصيده ويصدر في حقه أقصى العقوبات منذ الوهلة الأولى ويحكم عليه بالإعدام المهني وكأنه تلميذ خائب، وليس ذاك الطبيب البارع الذي تخرج من أعرق جامعات بلادنا وحصل على تخصصه في أرقى الجامعات الأجنبية، ومارس مهنته حول العالم، وهو يتنقل بتدرج طبيعي من مستوى إلى ما هو أعلى ويتمتع بسمعة باهرة في تعامله الإنساني الرفيع ولمهنته الراقية ومواكبته لأحدث التطورات في مجال تخصصه، ولتوظيفه لعلاقته الواسعة لصالح المرضى الفقراء «المعوزين» ومن العجائب، ألا يتوخى المجلس الطبي السوداني أبسط أسس العدالة، بإتاحة الفرصة للمتهم لممارسة حقه الطبيعي في الدفاع عن نفسه، وتقديم دفوعاته وإحضار شهوده، ومن العجائب أن المجلس الطبي النظر في قضية نظر فيها من قبل وطوى ملفها، ثم عنَّ له بعد ما رأى الآيات أن يعاقبه بأثر رجعي، ومن العجائب أن يبعث المجلس الطبي السوداني قراره المعيب هذا إلى المجلس البريطاني بلا حيثيات مقنعة إمعاناً في إيذاء دكتور كمال أبو سن، ومن العجائب أن يلوذ المجلس الطبي السوداني بالصمت غير النبيل عندما طلب من «رصيفه» البريطاني مده بالوقائع والحيثيات، ومن العجائب أن يعجز المجلس الطبي عن تقديم وثائقه ومستنداته لمحكمة الطعون الإدارية التي قضت ببطلان قرار المجلس الطبي وشطبته بعدما ما تبين للمحكمة الموقرة أن حمار المجلس الطبي قد وقف في العقبة بعدما أتاحت له المحكمة الفرصة تلو الفرصة لإثبات دعواه، ومن العجائب أن تسود روح التشفي والانتقام الذي تسنده الغيرة ويدفعه الحسد في أروقة فئة يناط بها الحفاظ على حياتنا دون أن تحافظ إلا على «شرف المهنة الإنسانية النبيلة».
٭ د. كمال أبو سن جراح ماهر ونطاسي بارع، وإنسان بسيط طيب القلب، أديب مرهف الحس، محب للفقراء والمساكين الذين نشأ بينهم وتشرب بأخلاقهم وأحبهم وأحبوه، بعدما نال تبرئة البريء من القضاء السوداني القادر الراغب في إحقاق الحق وإزهاق الباطل وإعادة الحقوق إلى أصحابها. وتضرر أبو سن من قرار المجلس الطبي السوداني وفاته الكثير من الكسب المادي الذي يتعايش به هو وأسرته، فباع سيارته وكاد ابنه أن يفقد مقعده في الجامعة البريطانية، لو لا أن «وليدات» الخواجات «اتخاتتو» رسوم الدراسة لزميلهم في الدراسة وبطل فريقهم في لعبة «الركبي»، وكانت ابنته توفر من مصروفها اليومي، بسيرها مشياً على الأقدام من وإلى الجامعة، وكانت للضرائب التي يدفعها أبو سن طوال عمله في بريطانيا دور في تأمين مرتب صغير لتيسير حياته اليومية هنالك في بلد الضباب، ويا له من ضباب تتجلى فيه الإنسانية، وتحترم فيه القوانين وتقدس فيه حرية الإنسان وتعظم حقوقها.
٭ دكتور كمال محمد أحمد أبو سن تجاوز الأزمة ظاهرياً، ولكن جرحاً غائراً سيظل نازفاً في دواخله، كلما تذكر هذه الفظائع التي مرت عليه دون ذنب اقترفه، فقد كان العشم أن يتبنى المجلس الطبي تكريمه، لأنه رفع اسم بلادنا هناك حين لا يفرقون بين السوداني والصومالي، ولا يعرف أحد هناك السودان إلا مقترناً بأزمة دارفور!!
ولكن قديماً كان في الناس الحسد.
٭ أتمنى أن ينهض المجلس الطبي الجديد بدوره المهم في ضبط المهنة دون غلو، أو تهاون. وأن يعيد للدكتور كمال أبو سن حقه الأدبي كاملاً فالرجوع للحق فضيلة، دون المساس بحق د. كمال أبو سن في الحصول على التعويض المناسب جراء ما حاق به من ظلم وحيف وسوء معاملة. ولا كرامة لنبي في قومه.
٭ ومن أجل الفقراء أنشأ أبو سن منظمة طوعية لخدمة إنسان هذه البلدة الطيب أهلها، ودون الدخول في تفاصيل ما تقدمه منظمة كمال أبو سن الخيرية، فإن كثيراً من مرضى الكلى يعرفونها وهم أحق بها وأهلها.
نسأل اللَّه أن يعينه على ما فيه الخير. وهذا هو المفروض.

محجوب فضل بدري
المستشار الصحفي
لرئيس الجمهورية السابق
صحيفة الانتباهة

‫3 تعليقات

  1. نرجو ذلك من المجلس الجديد … لكن من هو رئيس الجمهورية السابق … لعله المستشار الصحفي [I][B]السابق[/B][/I] لرئيس الجمهورية

  2. ومرّ عليه أحد أقاربه وسأله عن حيرته، >>>>
    فأخبره صديقه ,,,,,,!!!!!!!
    قريبه ولا صديقه!!!