عثمان ميرغني

ابن يقتل والده.. بالساطور!!


[JUSTIFY]
ابن يقتل والده.. بالساطور!!

إن لم يعجبك عنوان هذا العمود فلا بأس أن تغيره.. اجعله مثلاً.. أُم تقتل ولدها بالشاكوش.. عريس يخنق عروسه ببشكير.. أو غَيِّر الفكرة كلها ولتكن مثلاً.. شاب يغتصب أخته.. أو طفل يخنق حتى الموت بنت الجيران..

لا يهم التفاصيل.. المهم فقط توافر ثلاثة أركان.. الأول “القتل” بأبشع وسيلة.. الثاني بساطور.. بسكين.. بعكاز.. الثالث.. أن تكون العلاقة بين القاتل والمقتول من الدرجة الأولى.. فقد مل القراء حالات القتل العادية..

يُروى أن رئيس تحرير طلب من صحفي تغطية جريمة (بشعة طبعاً) في الكلاكلات..أحد أفراد الأسرة أطلق الرصاص من مدفع رشاش على زوجته وأبنائه حتى طفله الصغير وكل أفراد الأسرة.. الصحفي الهمام طار إلى موقع الحدث.. وظل مرابطاً فيه يجمع من الجيران الوقائع.. ثم ذهب إلى المستشفى وغطى التفاصيل.. وأخيراً رجع منهكاً إلى صحيفته لتحرير الخبر وعلى وجهه علامات النكد.. سأله رئيس التحرير ما الخبر؟ رد الصحفي بمنتهى الحزن.. (تصور يا أستاذ.. بعد ثلاث ساعات من الجري والتعب.. ولا واحد فيهم مات!!).. رئيس التحرير بكل أسى يواسي الصحفي قائلاً(معليش.. الله يعوضك بجريمة أحسن منها).

لو كانت صحفنا (السياسية بالطبع) تنشر أخبار الجريمة هذه من باب الواجب اليومي في توفير المعلومات للشعب عن الدنيا حوله.. لما استوجب الأمر أي دهشة.. لكن وبكل أسف- عندما تصبح مثل هذه الأخبار (كنزاً) تتسابق الصحف للحصول عليه لأنه (أكل عيش) يجذب القراء ويرفع التوزيع.. ويحقق الربح الوفير..وتزداد أهمية الخبر كلما حمل صفات (أبشع) أو (أفظع).. فهنا يصبح الأمر (جريمة) في حق الوطن والشعب معاً.. لأنها دعوة لتطبيع العلاقة مع الجريمة في أبشع شذوذها..

هنا تصبح الصحف من أسلحة (الدمار الشامل).. تدمر المجتمع من أساسه وتهدم أركانه ليتحول بعد فترة من (تطبيع!) العلاقة مع الجريمة.. إلى غابة تجول فيها الحيوانات المفترسة.

لا أريد أن أنبه سلطة.. أي سلطة مهما كانت للتعامل مع الأمر.. لا نقابة الصحفيين ولا مجلس الصحافة ولا غيرهما.. فالعمل الصحف الذي لا يحكمه (ضمير ذاتي) لن تجدي فيه أي تعليمات.. المطلوب هنا إحساس ذاتي من حراس بوابات العمل التحريرييدرك أن المهمة الأولى للصحافة بناء المجتمع لا بناء قصور مالكيها.

لا أقصد الدعوةللتستر على سلبيات المجتمع وأخبار قاع المدينة..لا.. لكن الاحتفاء بهذه الأخبار.. والمبالغة في إظهارها والتباري في التباهي بها.. يحولها من أخبار مذمومة عن المجتمع إلى روايات يومية تعكس حالة انسجام مع الشر.. وانحسار كامل للضمير.

بالله قاطعوا أخبار الجريمة.. لقرع أجراس الخطر في وجه الصحافة المنتشية بشيوع (أبشع وأفظع) جريمة..حتى لا نتحول إلى وطن البشاعة والفظاعة..

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي