بعـد الأمطـار ناس في المطاعـم وآخرون يتقلبون بين الأنقـاض
مع اختلاف الإمكانيات بين الناس يأتي التباين
الناس في السودان كغيرهم من شعوب العالم الثالث الذي يختلف فيه الناس من حيث درجاتهم لا نقول الطبقية وانما امكانياتهم المادية، بين البساطة والغنى والوسط اشياء اثرت في طريقة العيش ولم تؤثر على العلاقات، لكن الاغنياء اوالمتمدنين تلمسوا طريقهم الى درجات فخامة المسكن واماكن العيش وطريقته، ولذلك الشعب السوداني بمكوناته الغني والفقير وغيره لا تؤثر هذه الفوارق كثيراً بين افراده وان اختلف شكل الحياة لكل منهم والشكليات التي لا نهتم بها كثيراً. فصل الخريف احد فصول السنة التي تترك اثارها السالبة والموجبة على فئات المجتمع وكما قال الشاعر اللبناني جبران خليل جبران ابتسامة الوردة الزابلة في زمن الخريف في قصيدته التي تصور حال الفقراء والاغنياء وسط المجتمع واثار المشكلات عليهم، فالاشكال يحدث في البلاد ولكن وقعه يختلف في اثاره من فئة الى اخرى من حدته وشدته على الفقراء ولا تمثل سوى ايام جميلة للاغنياء او غير المتضررين، وهنا تنشأ المفارقة بين الناس في زمن الخريف بين المتضرر الذي ضاع كل ما يملكه واخرون الاجواء الخريفية هي فرصتهم للفسحة والاستمتاع بوقتهم
ما بين المطاعم الفخمة تنقضي ايام الخريف
«جو شية، جو فسيخ، جو رحلة» هذه العبارات نسمعها كثيراً نحن في السودان عند حلول فصل الخريف وتساقط الامطار الذي يتبدل فيه الجو من مشمس شديد الحرارة في فصل الصيف الى اجواء ربيعية تتوارى فيها الشمس خجلاً يمكن ان تمتد مختفية الى ايام، وهذه فرصة تغتنمها بعض الاسر المرفهة في الخروج الى المطاعم لتناول الوجبات المختلفة وسط فرحة كبيرة بهذه الاجواء الرائعة ,وعلى الجانب الاخر صورة مختلفة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار فهناك من يقضي الخريف والامطار بين انقاض بيوتهم ومدخرات راحت ادراج الرياح واخرين التحفوا السماء وافترشوا الارض وأخرى، اشد ايلاماً فقد اناس احبابهم في مشهد يجعل الخريف من اصعب فصول السنة التي يتمنون انصرافه سريعاً ولكن دائماً ما يخطئ الناس في انفسهم قبل ان تخطئ بحقهم الطبيعة او الفصول.
تجارب الخريف في الماضي يجددها الحاضر
ضربة البداية كانت مع العم محمد الامين خوجلي يبلغ من العمر اربعة وثمانين ربيعاً يقول: في الماضي الخريف كان من اعظم فصول العام التي ينتظرها الانسان السوداني والمزارعون والرعاة على وجه الخصوص والسبب ان شكل الحياة كان في قمة البساطة وحتى البيوت كانت في المدن والقرى الكبيرة تبنى من الطين اللبن«الجالوص» كما نسميه في المحكية السودانية ليس بالشكل الحالي، والاغلبية تسكن بيوت البروش والرواكيب المصنوعة من الحطب كما ان معظم اهل السودان كانوا«يسعون» الاغنام التي كانت اغلى ما يملكه الناس من اموال الدنيا فهي مصدر العيش الوحيد، في ذلك الزمن الخريف بالنسبة لهم هو الحياة لما يعود به من مراعي وفيرة تساعد على تربية تلك الاعداد الضخمة من القطعان «يا بتي هو انتو شفتو خريف» اذكر في العام 1948كانت اصعب فترة يمر عليها البلد في ظل كارثة طبيعية وهي فيضان 1948الذي كان الاعنف الذي اشاهده طيلة سنين حياتي، جاء ذلك الخريف وانا كنت متواجد في منطقتي بولاية نهر النيل الحالية وكنت طفلاً يافعاً، فالناس بعد ان مسحت بيوتهم بالارض وكانت السيول تنهمر من كل مكان جارفة معها الابقار والاغنام والناس يلجأون الى الاماكن المرتفعة واذكر ايضاً اني رأيت الناس يحملون المرضى والنساء اللائي وضعن اطفالهن حديثاً محمولين على الاسرة والذهاب بهم الى مناطق اكثر ارتفاعاً والحياة توقفت تماماً في الكثير من المناطق وكانت الاذاعات عبر العالم تنقل الخبر تحت جملة السودان يغرق، وكان البلد يرزح تحت الاحتلال الانجليزي ولا معونات تأتي للناس سوى القليل من النجدة من القرى التي لم تتأثر، وما حدث في 48 لم أره حتى الان.
فاطمة محمد عثمان شابة في مقتبل العمر تسكن احد أحياء العاصمة الخرطوم التي لم تتأثر بالامطار تقول: الخريف نعمة من الله لا يمكن ان نعترض عليها بل بالعكس انا اعلم ينتظرها الكثير من الناس في الاصقاع البعيدة والنائية للزراعة والشرب، كما لا انكر باني استغل ايام الخريف الجميلة في الخروج الى المطاعم عندما تحين الفرصة، لذلك كما نقبل على العمل بشكل جيد فنحن طول السنة تحت رحمة شمس حارقة.
المواطنة انعام عبد الإله نورين تسكن منطقة دار السلام وهي من المناطق المتأثرة بالسيول الاخيرة تقول: اتيت من البلد بكل ما استطعت ان اجمعه من مدخرات، وقمت بشراء قطعة ارض وقمت ببناء منزل بقدر استطاعتي، ولم ادر ان الامطار الاخيرة والسيول سوف تحمل شقاء عمري في غمضة عين، ولكن لا نقول إلا الحمدلله وقدرالله هذا ولكن الخريف تغير عندي كثيراً بعد تجربتي هذه.
الانتباهة
ي.ع