بعضُ الشّـرِّ أهونُ من بعضِ ..!
حادثات جسام مررن بالبلاد و«الإنتباهة» غائبة، كان لابد أن لها فيها مقالاً ورأياً وتحليلاً، وانصرم ما يزيد عن شهر كامل والقرّاء ينتظرون، ما بين مشفق يحاذر في فزعه نحو التصديق يكاد يوقن بأن صحيفته المحبوبة لن تعود …. فيتأرجح فوق حبال التأويلات والتخمينات والظنون والانتظار، وما بين مبتهج شامت تمنى أن لا مآب لـ«الإنتباهة» بعد أن حُزّ عنقها وسالت دماؤها كما الأضاحي في عيد الفداء.
لكن «الإنتباهة» عادت… كما هي، وكما عرفها القارئ الحصيف، قوية وصادعة بكلمة الحق، لم تتبدل أو تغيير، تدافع عن هوية البلاد وسلامة ترابها وعقيدة أهلها وانتمائها، حريصة على استقرار الوطن وأمنه، تعادي من يعاديه وتسالم من يسالمه، لا يجرمنّها شنآن قوم في أن لا تعدل في حكمها على الوقائع والأحداث والساحة السياسية في راهنها اليوم تعجُّ بالشواغل وتضجُّ بالمسائل.!
وعلاقة الحكومات والسلطة بالصحافة في أي زمان ومكان، علاقة تجادل وتجاذب، فليست هناك سلطة ترضى عن صحف تخالفها الرأي وتجانبها النظر، ولا توجد صحيفة يمكن أن تعطي السلطة مائة بالمائة «شيك على بياض»، وتظل العلاقة مرهونة لحالة المدِّ والجذر، فالسلطة في خفرها وجهرها، تتوجّس خِيفة من الصحافة وتنظر إليها شـذراً وأحداقها المفتوحة ملأى بالشك والتصنُّع والحذر.. ومن قدر صحافتنا أنها تمشي حافية ووسط بيادر الأشواك والعوسج الحاد.. تدمي أقدامها وتصلب إرادتها.. وهي لا تريد من الحكومة إلا أن تخشى في وطنها ربَّها، وتصالح شعبها، وتصلح دربها.. وليست تلك مهمة عسيرة.!
وخلال هذه الفترة التي غابت فيها «الإنتباهة»، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، لكن الأرأس والأبرز في كل هذه الأحداث، ما جرى في منطقة أبيي من محاولات مخبولة لفرض إرادة مزيّفة غير حقيقية، قامت بها مجموعة من دينكا نقوك بإجراء استفتاء من طرف واحد حول تبعية المنطقة، ولا يوجد أي مسوِّغ قانوني وسياسي يسمح بقيام هذا الاستفتاء الباطل، فلم تعترف به حتى حكومة جوبا في دولة جنوب السودان، دعك عن المنظمات الإقليمية والدولية، وحكومة السودان والطرف الرئيس في المنطقة وهو قبيلة المسيرية.
معروف منذ نيفاشا وقبلها أن دولة الكيان الصهيوني ومجموعات متنفِّذة في الولايات المتحدة الأمريكية، تقف وراء تأجيج النزاع والصراع في هذه المنطقة، ويلعب أحد أبرز أبناء دينكا نقوك د. فرانسيس دينق، دوراً مهماً في تحريك ما يسمى بـ«المجلس» في الولايات المتحدة الأمريكية وهو مجموعة الضغط التي عملت مع الحركة الشعبية وساندتها حتى انفصال الجنوب، وتريد إلحاق هذه المنطقة وقطعها من السودان وإضافتها لدولة الجنوب. وانضم قبل فترة الأخ غير الشقيق لفرانسيس دينق، د.لوكا بيونق لهذه الجوقة التي تعزف اللحن النشاز من الخارج ليرقص عليه دينق ألور وإدوارد لينو وبعض موتوري الحركة الشعبية من أبناء نقوك في المنطقة.
هذا الاستفتاء الأحادي الطرف يجب أن لا نبسِّط من وقوعه ونعتبره مجرد حدث عابر ومعزول ولا قيمة له، فهناك جهات دولية وإقليمية كانت تريده لذاته، لمجرد حدوثه، ولا يساورنا شك أن حكومة جوبا التي لم تعترف به اليوم، ستضعه في جيبها، فإذا تعثرت علاقاتها مع الخرطوم ناورت به واستخدمته كورقة ضغط.. مع علمها أن الأمور على الأرض تختلف عن الفرقعات الدعائية والسياسية .!
على الحكومة أن لا تتعامل مع قضية أبيي على أنها مسألة خاصة بقبيلة المسيرية فقط، فهي قضية وطنية تهم كل السودانيين ليست محصورة لدى مجموعة سكانية محدودة، وتتطلب جهداً على مختلف الصعد السياسية والقانونية والإعلامية لمواجهة تطوراتها المتلاحقة، فالطرف الآخر يعمل بجد ونشاط لتأليب أطراف دولية وإقليمية لصالحه ويسعى لتهييج الإعلام العالمي من جديد، وإظهار دينكا نقوك كأنهم فئة مظلومة ومهضومة الحقوق ومنزوعة من أصلها تريد العودة إلى منبتها واللحاق بدولة الجنوب.. بينما الحقيقة غير ذلك إذ لم تستطع حتى مفوضية أبيي التي تكوّنت وفقاً لاتفاقية نيفاشا بعد استعانتها بخبراء دوليين من إثبات وتحديد مناطق المشيخات التسعة لدينكا نقوك كما جاء في تقرير الخبراء في 2005م.
وحتى هذه اللحظة لم يحدث أي اختراق يعوّل عليه في هذه القضية، فاتفاقية ترتيبات الوضع في 2011م لم تنفذ كما ينبغي، والتفاهم الأخير بين الرئيس البشير ورئيس دولة الجنوب على قيام المؤسسات المدنية والشرطة، ظل يتكرر باستمرار في اللقاءات الرئاسية، فينبغي القفز إلى نقطة فعّالة وجوهرية تعجِّل بحل حاسم ونهائي.. لكننا نرى تحت الرماد وميض نار .!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة